جذور في الهواء
جذور في الهواء
جذور في الهواء
جذور في الهواء
تأليف
ثروت أباظة
جذور في الهواء
1
ما أحلى السنين، وما أجمل هذه اللحظة التي أنا فيها! كيف أستطيع أن أمسك هذه الهنيهة من الزمن فأجعلها تقف لا تمر، تبقى لا تمضي وأنا واقف هنا أرى اسمي على لوحة الكلية معلنة أني حصلت على ليسانس الآداب؟ لقد جاء الطلبة أفواجا، وانصرفوا فرادى وجماعات، وأنا بهم واع وغير واع، مدرك غير حافل متجمد، أنا أحاول أن أجمد لحظتي، ولكن اللحظة امتدت في عمق الزمن، وانماع كيانها وانداحت حتى أحسست نفسي أقفز فجأة إلى الهواء. لقد نجحت وكأنما لم أدرك أنني نجحت إلا وأنا أقفز هذه القفزة! أيستطيع أحد أن يدرك معنى هذا النجاح إلا أنا وهي؛ حبي الأول والأخير، أحلام الصبا، وآمال الشباب، وأوهام الهوى وحقيقته، وخفق الحب، ونبض الحياة، والعيون الرانية إلى السنين المقبلة بعزة التحدي، ونظرة الأمل، وخشوع الرجاء، ورجفة المرتقب، والأمسيات تروي لقاءنا الهامس تظله الأغصان الحالمة في حديقة أبيها، ومطالع الشمس لا تبتسم إلا على بسمتنا في لقاء الصباح، وهي في طريقها إلى المدرسة وأنا في طريقي إلى الكلية، والليالي البيضاء التي لا تعرف الظلام، أظل ورفيقي الكتاب والمصباح حتى ينسرب شعاع الشمس إلى ضوء الكهرباء فيطفئه، فيصبح مضيئا كالمظلم كصرخة في واد، ويضحي نوره كجدول شحيح يغمره من البحر طوفان، وتطل ابتسامتها مع نور الفجر فلا تعب ولا رهق، فأنا جديد كأنما ولدت من بسمتها وإلى المذاكرة أعود.
كنت أقضي العام كله أقرأ في غير كتب المدرسة، لقد أمسك الأدب بخناقي منذ لا أعرف متى، حين كنت طفلا ألهو كنت أجد متعتي الكبرى في قصص الأطفال، حتى كبرت القصص وكبرت معها، ومنذ ذلك الحين الذي لا أذكره، أصبحت القراءة هي حياتي جميعا.
अज्ञात पृष्ठ