नवीन और प्राचीन: अध्ययन, आलोचना और विमर्श
جدد وقدماء: دراسات ونقد ومناقشات
शैलियों
وأبرز عيوب قصص فرح ظهور شخصيته فيها، فهو ملقن عريض الصوت لا يسكت ولو أعطيته ما أعطى الله عبيده؛ ولذلك أتت قصصه قريبة من الدروس والمحاضرات في بعض المواضيع، فهو يترك القصص حين يستطيع ويمشي في الاستنتاج هاتفا: «يا ويا ويا حتى لم يدع مكروب الحمى التيفوئيدية بلا «يا»، وكذلك ملاك الموت الذي خطف روح إستير.»
أما «الخطبة على الجبل» فهي مجموعة آراء فرح الاجتماعية وإعجابه بالعلم، ولكنه عاد في آخرها إلى المعلم الجليل، وحب مبادئ يسوع خلق أكثر أبطال فرح من الخيرين يكررون نظرياته في كل قصة، وقد يكررونها في القصة الوحيدة، غير أن مؤلف أورشليم أمين لا يسرق ولا يشتهي مقتنى غيره، ولا يفعل بالناس ما لا يريد أن يفعلوه به؛ ولهذا نسب كل رأي إلى صاحبه، ولكنه وا أسفاه لو عاد اليوم لقال مع الإمام علي: أرى تراثي نهبا. (8) مريم قبل التوبة
لا ألخصها لأنها غير كاملة، فيها أدق وصف للعراك الداخلي في نفس المومس، وأحوالها الخارجية مع الذين يزورون دكانها ليشتروا من بضاعتها الهاربة، وفيها رأي السذج بهذه المرأة وخوفهم من الدنو من بيتها؛ لأن فيها سبعة شياطين نقدا وعدا، كما خبرنا الرسل الأطهار، أنطق فرح الراعي بذلك فجعله من الخالدين، وفيها الحديث الراقي بين مريم وزوارها المثقفين، وإن قل حظ سنيكا الفيلسوف الروماني منها؛ فلأنه جاءها وقت نوبة سوداء، أما أسلوب القصة وإنشاؤها فأروع ما أنتجته قريحة فرح.
يظهر أن ذات الجمال الفتان مثقفة، والبرهان تلك الرسوم الرائعة التي صورها بها الفنان، فهي تهيج الخصي كافور الإخشيدي وتصير الخلي شجيا، فإن وضع فرح في فمها آيات بينات فلسان المجدلية يحملها بسهولة، فالتي تعطي وتأخذ كأم سيبويه لا يصعب عليها ما قالت دفاعا عن قضيتها، أما جاءها الشاب يوسف وبكى متأسفا على جمالها الممتهن، واعتذر لبكائه بذكرى أمه، فأدرك كنهه عقل مريم الحصيف فراودته، ولما صرح كانت أخف من النسيم ودعته إلى الزواج فتلعثم ونكل، وما هذا في نظري إلا توطئة لعذر المسيح لها غدا، ولكن الرواية لم تتم.
إن مسرح رواية مريم هذه ومسرح رواية أورشليم واحد، أما المبادئ فمتناقضة، والمرجح أن المؤلف كتب أورشليم قبل قراءة نيتشه، ولولا ذلك لما حشر مبادئه في قصة مريم، إن نيتشه تيه فرح أنطون فأذاع مبدأه العنيف، وهدمه في ساعة بحث بين مريم وشاب روماني، ولم تتم القصة لنرى رأي فرح الأخير الذي «أبقاه إلى ميعاده» كما مر، ولكنني أعتقد أن المعلم صفى الحساب في خطبته عند شلال نياغرا التي تسوى كتابا خالدا.
وبعد، فإننا نشعر بأن الكثيرين من أبطال فرح هم أخوة الكثيرين منا، نشترك معهم الاشتراك الكامل، ومتى رأيت في البطل عدوا أو صاحبا كان مخلوقا خلقا سويا، كملاك الرب حين تمثل لمريم العذراء، إن هذا «الاشتراك» جوهر القصة الفرد، والقصصي المطبوع يلبس لكل حالة لبوسها كابن همام الحريري، وهذا ما فعله فرح، فرأيناه بطريركا جليلا وفيلسوفا كبيرا، وبهلولا لامعا وعاشقا حاميا، وهو في كل هذه المواقف يجيد إجادة متفاوتة.
تخلق الطبيعة عوالم تموت، أما عالم القصة فلا يموت ما دمنا نقرأ، ومثلما ينبغ أفراد في العالم كذلك يكون في عالم القصة، وهذا ما وفق إليه فرح الذي لم يغفل عن حل أكثر قضاياه كما يفعل القصصي الأصيل، وإذا شئت أن تعرف لون فرح فخذ حفنة من تولستوي ونيتشه وسيمون وروسكن ورنان وامزجها يبد لك لون فرح أنطون .
أما لغته فسهلة سلسة لم تخل من الغلط النحوي واللغوي، قد يكون سببه ذهول فرح وسرعته، أما رأيه في الكتابة فهو ينبئك به عني، وهذا ما كتب:
وعلى ذلك فحقيقة البلاغة ليست في قواميس اللغة وكتب الأدب ليذهب الطلاب ويفتشوا فيها عنها، فمن لا يملكها في نفسه فعبثا يطلبها في الكتب، فإنها حسناء ذات دلال، لا تسبى إلا مرة واحدة وذلك حين نزول الإنسان من جوف أمه، فالبلاغة إذن حسن فطري باطني أي نفسي، كما أن جمال الوجه حسن خارجي.
إلى أن يقول:
अज्ञात पृष्ठ