नवीन और प्राचीन: अध्ययन, आलोचना और विमर्श
جدد وقدماء: دراسات ونقد ومناقشات
शैलियों
أجل، لم يبق لنا من فؤاد سليمان غير هذه الجزازات من تلك الصحيفة وهاتيك المجلة، ولكنها جزازات تتضمن روحا كانت تتردد في لحم فؤاد ودمه، فأبقت للذرية هذا التراث الحي.
ففي «التموزيات» يثور فؤاد على كل اعوجاج وقع تحت عينيه، يثور للإنسانية المعذبة كما في الكلمة التي عنوانها «إنسان مدود»، وهو في كل ما كتب في الواقع ما تخلى عن بيانه ولا تجرد من خياله، يخاطب الناس من عل مهما علوا، ويقذفهم بكلام كأنه القنابل، ويزدريهم ولا يبالي، وقد يتفق له تهكم مر يأتيه عفوا، فيبدو جميلا كقوله: «صرنا نخشى على البيت اللبناني أن ينهار، فالمرأة مشغولة بقضيتها، أعطوها حقها وخلصونا، جربوها فقد تصلح ما أفسدناه نحن.»
وما أبلغ كلمته، بل ما أصدق قائلها حين تحدث عن لص سرق الشاعر ميشال طراد صاحب جلنار، قال: «ما كنا نعلم أن الشاعر الجميل الذي لم يبق شاعر في لبنان إلا وسرق منه لفظا وطيبا ولونا.»
إنها كلمة لها ما بعدها، ذكرتها قصدا، وموعدنا في التفصيل حين ندرس الشعر العامي اللبناني.
وأخيرا هذه صورة الشاعر والأديب الذي كانت النار تندلع من عينيه، والكهرباء ترعد أعصابه، هذه صورة ذاك الذي كنا ندعوه فؤاد سليمان يوم كان بيننا، أما اليوم فلا أجد له لقبا؛ لأن الأسماء والألقاب مبتذلة كلها، فعلى بنات الشعر اللبنانيات أن يجددن عهد النواح على «تموز». (6) خمسة في عام واحد: الحداد، المطران، المازني، محمود طه ، البعيني
لم يفجع الأدب العربي في تاريخه المديد - كما فجع في عام واحد - بجمهرة خيرة من أدبائه وشعرائه وكتابه، فبعد موت جرير والفرزدق ثم شوقي وحافظ في عام واحد، لم يصب الأدب العربي بما أصيب به هذا العام - 1950 - قد توارت خمسة وجوه من دنيا الأدب: خليل مطران، عبد القادر المازني، محمود علي طه، يوسف البعيني، والخوري يوسف الحداد، عمل كل من هؤلاء الخمسة جهده بل فوق مجهوده، فازدادت اللغة العربية ثروة ضمت إلى تراثها القديم.
الخوري يوسف الحداد
مشى الخوري يوسف الحداد في طليعة موكب الأبد، كما عاش أربعة وثمانين عاما معلما ومربيا، لم يسأم الحياة كزهير، فظل يكتب وينظم رغم ما كف الدهر من بصره، ترك مئات من رجال هذا الزمان الذين علمهم وهذبهم، وترك مسرحيات منها المترجم ومنها الموضوع، وكتب قصة طويلة - المروءة - وحبر مقالات رائعة في كتابيه: اللبنانية، والنجوى.
كان هذا الكاهن وقفا على أمرين: ثوبه وعلمه، كان ثوبه يزجيه دائما نحو الكمال، وكان علمه يحثه دائما على بلوغ المدى الأبعد، والعلم من توابع وزوابع الإكليريكي الحق، لا يعني هذا أن الخور أسقف يوسف الحداد تبتل فعاف كل مسئولية عيلية، فكان كراهب امرئ القيس لا شغل له إلا إمالة السليط بالذبال المفتل، كان الرجل معلما وأبا ومربيا، حملته الأقدار عبء وصاية بني أخيه، فربى وعلم كما يفعل الأب المستطيع، فهذا الكاتب الذي نراه في كتاب النجوى يحث على الادخار كان عدو كيسه، وعظ الآخرين وما اتعظ هو، لم يجعل مخزنه عبه بل جعله في العقول والقلوب، كان في القول معلم اقتصاد من الطراز الأول، أما في العمل فاتكل على قول معلمه: لا تهتموا بما للغد ... وكان ربه عند ظنه فمات مكفيا كما عاش عزيزا.
لا يعرف الخوري يوسف الحداد الأب إلا أقرب الناس إليه، ضحى بكل ما يملك ولم يترك خلفه غير فضله وتلاميذه، كان مربيا حقا، كان للمعارف والتربية يوم لم تكن لهما وزارة في لبنان.
अज्ञात पृष्ठ