जॉन लॉक: एक बहुत ही संक्षिप्त परिचय
جون لوك: مقدمة قصيرة جدا
शैलियों
الفصل الثاني
سياسة الثقة
ألف لوك في عام 1660 أول عملين مهمين له (يعرفان عموما باسم «مقالان عن الحكومة»)؛ أولهما مقال باللغة الإنجليزية عنوانه «سؤال: هل يجوز قانونا للحاكم المدني أن يفرض استخدام أمور حيادية فيما يختص بالعبادة الدينية ويحددها؟» والآخر مقال باللغة اللاتينية أشد إيجازا ولكنه أكثر منهجية حول نفس الموضوع.
شهد أيضا عام 1660 إعادة تشارلز الثاني أخيرا إلى العرش الإنجليزي، بعد مرور 11 عاما على محاكمة والده وإعدامه، حينما عاد إلى إنجلترا من منفاه عاقدا العزم على عدم مواصلة ترحاله وسفرياته مجددا. خلال العشرين عاما السابقة على ذلك، سعت سلسلة من الحكومات الإنجليزية المتعاقبة إلى فرض مجموعة كبيرة من الممارسات الدينية على رعاياها المتمردين، وهو ما كان يثير دائما الاستياء لدى الكثيرين ويلقى استحسانا عادة لدى قلة محدودة للغاية. وطالما كان الاضطراب السياسي والصراع الديني متلازمين على نحو معقد، تاركين الأغلبية العظمى من الأمة منهكة من النزاعات المستمرة، ومتعطشة للسلام والاستقرار. مما لا شك فيه أن مقالي لوك يعكسان ما كانت عليه الأجواء خلال هذا العام، ويتصديان لمسألة طالما كانت محور الجدل الديني والسياسي في العقود العاصفة التي أفرزت تلك الأجواء. ومع أن تفاصيل الحجج التي ساقها في كلا المقالين لم تكن ذات أهمية كبرى، فمن المهم أن نفهم الملخص الرئيسي للمسألة التي عالجاها، وأن نحدد الصعاب التي كانت تمثلها هذه المسألة بالنسبة إلى لوك الشاب.
كانت هذه المسألة في حد ذاتها تتعلق بوضوح بالجانب التطبيقي؛ ففي مجتمع آمن كل فرد فيه فعليا بصحة الدين المسيحي، لكن سادت فيه اختلافات عميقة في الآراء حول كيفية ممارسة هذا الدين، من الذي ينبغي أن يقرر أي من الممارسات الدينية جائز وأيها محظور؟ هل ينبغي أن توجد، على سبيل المثال، كنيسة مسيحية واحدة تدار تحت رعاية السلطات السياسية، يكون كل فرد من الرعايا مجبرا على الانتماء إليها، ومرغما على ممارسة العبادة في إطارها على النحو الذي أملته عليه؟ أم هل ينبغي أن تكون العبادة الدينية - بما أنها تعني بمفهومها الصحيح التعبير عن الإيمان الديني الصادق - مسألة متروكة تماما لضمير كل فرد، معاملة خاصة بين الإنسان وربه، تتشكل وفقا لما يراه كل إنسان مؤمن مناسبا له؟ من الصعب لأي مسيحي أن ينكر كلية قوة أي من هذين المفهومين، وكلاهما له ما يؤيده في نصوص العهد الجديد. استشعر لوك نفسه في هذا الوقت قوة كلا المفهومين بوضوح؛ قوة وجود مصدر واحد للدين، وأيضا قوة الواجب وآداب السلوك، لكن لم تكن لديه صعوبة في المفاضلة بينهما وتحديد أولوية كل منهما بالنسبة إلى الآخر.
لو أن ممارسة الدين تترك بسلام للاختيار الشخصي، و«لو أنه يسمح لكل فرد أن يمارس العبادة الدينية بطريقته الخاصة، فلا يتظاهر - بدافع الزهو الشديد بذاته - بأنه أكثر معرفة وأكثر اهتماما بروح غيره من البشر وخلاصهم الأبدي أكثر من اهتمامه بنفسه»، فهذا من شأنه حقا أن «يعزز السلام في العالم، ويعيد في النهاية تلك الأيام المجيدة التي ظل الإنسان يسعى وراءها منذ زمن بعيد، ولكن بطريقة خاطئة» (مقالان عن الحكومة). لكن أظهرت الصراعات الدينية التي استمرت على مدى عشرين عاما خطورة هذا التسامح؛ إذ إن جميع «هذه الثورات المأساوية التي استغلت المسيحية كل هذه السنوات اعتمدت على هذه الركيزة، حتى إنه ما من مخطط شرير إلا وكان يرتدي قناع الدين، وما من تمرد إلا وكان يترفق بنفسه فيتخفى في زي الإصلاح ... وما من أحد شرع في تخريب الدولة إلا وادعى أنه لإعلاء الدين.» فالخلط ما بين «الطموح والانتقام» و«مشيئة الله» هو الذي مزق إنجلترا (مقالان عن الحكومة). وكان إعلاء مبادئ المصدر الواحد للدين (ممثلا في الكنيسة) على مبادئ الواجب وآداب السلوك هو ما حرض على حدوث اضطراب سياسي. وفي عام 1660، كان لوك - شأنه شأن معظم أبناء بلده - يخشى بشدة اندلاع الاضطراب السياسي.
شكل : خطاب بطرد جون لوك من كلية كنيسة المسيح.
فضلا عن ذلك، لم يكن الصدام بين مفهومي آداب السلوك والمصدر الواحد للدين مقصورا على الساحة القومية السياسية فحسب. كان الباعث المباشر لمقال لوك الصادر باللغة الإنجليزية هو عملا لأحد زملائه الطلاب في كلية كنيسة المسيح، يدعى إدموند باجشو، بعنوان «المسألة الكبرى بشأن الأمور الحيادية في العبادة الدينية»، نشر في سبتمبر عام 1660. كان باجشو من المعتنقين المتحمسين للغاية لمبادئ المصدر الواحد للدين، في وقت كانت فيه الممارسات الدينية في الكلية تعود بقوة إلى «التشدد الأنجليكاني» الذي كان ينبذه بشدة. أعيد استخدام الأرغن والزي الكهنوتي الأبيض في كلية كنيسة المسيح في نوفمبر، فيما سرق أنصار باجشو ومؤيدوه في شهر يناير من العام التالي أكبر عدد طالته أيديهم من الأردية الكهنوتية البيضاء، وألقوا بها في بالوعات الكلية. ناصر لوك المزاعم المطالبة بالسلطة على المستويين المحلي والقومي، مشددا على الحالة الصارخة لعدم الجدارة بالثقة التي عليها أغلبية البشر، وهو ما يمثل في أسوأ الأحوال تهديدا حقيقيا بالفوضى، ويمثل على أحسن تقدير معوقا هائلا لآداب السلوك. وكانت الآراء السياسية التي طرحها فظة ومراوغة، والمثير بشأن هذه الآراء أنها كانت تخضع العاطفة الدينية للمتطلبات السياسية وتطوعها لها على نحو صارم؛ فلا بد أن تكون السلطة السياسية - أيا كانت أصولها - شاملة؛ حتى تستطيع الاضطلاع بمهامها. خلق الله العالم والبشر على النحو الذي يعكس تلك الحقيقة؛ ومن ثم لا بد أن تكون مشيئته هي عدم تقيد السلطة السياسية بشيء ما خلا أوامره الصريحة، و«الأمور الحيادية» هي كل الأمور التي لم يعلن الله - سواء أكان بالفطرة أم من خلال وحي إلهي - مشيئته بشأنها. (على سبيل المثال: كانت مسألة الرغبة في ارتداء الأردية الكهنوتية البيضاء من عدمها من الأمور التي افترض قلة من الناس - حتى بين الأنجليكانيين - أن الله قد أعلن مشيئته بشأنها.) لم يستطع منظر سياسي مسيحي أن ينكر على الفرد حقه في الإيمان بمعتقداته الخاصة، ولم تكن المراسم الدينية في حد ذاتها أمورا تتعلق بالإيمان، لكنها ببساطة مسألة تتعلق بالممارسة، وينبغي على المسيحيين الصالحين أن يفعلوا ما يمليه عليهم الحاكم، وأن يؤمنوا بما يؤمنون هم أنفسهم به. وظهرت المشكلة بوضوح عندما بدءوا يعتقدون أنه ما من شيء يلزمهم أن يفعلوا ما أمرهم به الحاكم. أما في حال المراسم الدينية، كانت هذه المشكلة تظهر على نحو متكرر بعض الشيء؛ لم يستطع مفهوم «الأمور الحيادية» حسم هذه المشكلة من حيث المبدأ؛ ومن ثم لم ينجح أيضا مقالا لوك في حلها، وهي أيضا المشكلة التي لم تستطع الكنيسة الأنجليكانية نفسها أن تحلها عمليا خلال فترة «إعادة الملكية».
في هذه اللحظة كان لوك نفسه يتعامل مع هذه المسألة بتجاهلها غالبا ؛ كانت المراسم الدينية مجرد مسألة «حيادية»، متروكة لتقدير الإنسان وحرية تصرفه، وأي مسألة تتعلق ببساطة بتقدير الإنسان وحرية تصرفه، كان يحددها الحاكم المدني على نحو سلطوي؛ لأن الغرض من وجود حاكم في الأساس كان يتمثل تحديدا في الخروج من نطاق التحيز المتعمد للحكم الشخصي لكل إنسان. اقتضى السلام وجود سلطة مدنية، ولكي تحقق السلطة المدنية السلام كان بمقدورها أن تفعل أي شيء - مهما كان - لم يحظره الله نفسه صراحة. ولم يلق أي من هذا الضوء بوضوح على المهام التي ينبغي على السلطة المدنية الاضطلاع بها على وجه التحديد.
مقال في التسامح
अज्ञात पृष्ठ