जिनुसाइड: भूमि, जाति, और इतिहास

फाहमी सईद शायखू d. 1450 AH
82

जिनुसाइड: भूमि, जाति, और इतिहास

جينوسايد: الأرض والعرق والتاريخ

शैलियों

ثم عاد إلى محرسه، بقي مايكل مدهوشا يتساءل، أيعقل هذا منهم وهو يحمل كل تلك الغيرة والشهامة حتى خاطر بنفسه فأطعمني وسقاني؟ لا بد أن دمه لم يخالطه لحم الخنزير كما أولئك السفلة العديمي الشرف، كيف يعتقل ويهان من يدافع عن أمه؟

بزغت الشمس وراح ضوءها القرمزي يحدد على الساحة نهايات الأبنية والبيوت وشرفاتها بكل دقة متناهية، ويضفي على المكان الذي يقع فيه بريقا لامعا مظهرا جمال المطر الذي غسلت الساحة والأزقة والحارات وأحجارها السوداء المستطيلة المصفوفة قرب بعضها البعض كأنها قطعة كعكة مقسمة بسكين طباخ ماهر. التفت يمنة فرأى ثلاثة من الشرطة قادمين نحوه، حرك جسده محاولا ضم ركبتيه إلى صدره، وقف اثنان منهم على رأسه وتوجه الثالث نحو المحرس، تكلم مع ذلك الحارس الشهم ثم توقفا عن الكلام، قدم لهم شرابا ساخنا شعر مايكل أنهم ينتظرون شيئا من أجله، فلو لم يكن الأمر يخصه لما أتى الاثنان قربه، بل لذهبا إلى المحرس مباشرة مع زميلهما، بدأ يفكر ما الذي سيفعلونه بي؟ هل مات ذاك الرجل؟ ما عاقبة القاتل في الغيتو؟ ليتني سألت السيد مارك عن ذلك .. ثم ما الذي حل بأمي، ليتني استطعت إخبار ذلك الحارس عن عنوانها لعله يعتني بها إذا ما تم إصدار أوامر بقتلي أو زجي في السجن؟

السجن! حاول كتم ضحكة ساخرة ما كانت إلا تجيء بآخرته لو خرجت، وهل أنا حر حتى أسجن؟ وهل يسجن المسجون أصلا؟ لن أكلفهم سوى طلقة في الرأس وينتهي الأمر كله، كلب مات وفطس، ما المهم في الأمر؟!

اقتربت العربات العسكرية المعروفة من أصوات عوادمها التي تصدر دخانا أسود كثيفا، وحال وصول العربات خلف الباب، توجه الحارس حاملا مفتاحا حديديا كبيرا، وضعه في قفل الباب وأداره بكلتا يديه بقوة، أمسك مقبض الباب وراح يسحبه إليه، دخل أحد ضباط النازية بزيه الزيتوني الباهت وقبعته المرتفعة من الأمام بشعار النسر على الصليب المعقوف المصنوع من المعدن. كان طويل القامة، نحيل الجسد ذا نظرة ثاقبة، يمشي بخطوات ثابتة ورزنة، حاملا بيده ورقة صفراء، تكلم مع من أتوا قبل قليل ووقفوا عند المحرس، فأشار أحدهم إلى مايكل وأكمل الحديث معه، ثم وقع على الورقة، عصبوا عيني مايكل بقماش صوفي أسود وحملاه إلى الصندوق الخلفي لإحدى العربات، ثم سارت نحو المجهول.

شعر مايكل بالدفء قليلا، الأرضية مكسوة بطبقة من الخشب والسقف مغطى يمنع تسرب الماء والهواء إليه، تذكر هذه العربات منذ أيام معسكر داخاو، لم يكن بحاجة لأكثر من هذا الدفء البسيط الذي أنقذ جسده من زمهرير الليلة الفائتة. ولم يعد يخيفه الأمر حتى إنه لم يرتجف من الخوف للمرة الأولى، قال في نفسه: «فليفعلوا بي ما يشاءون، أكثر ما يخشاه الإنسان في الحياة هو الموت، وأنا أصبحت أتمناه، لعلي تجاوزت عتبة الألم وباتت الأشياء لا تفرق عندي كثيرا، تعذيب أم سجن أم حتى قتل وتنكيل لا شيء يفرق، الأهم أن عالم الأموات ليس فيه هؤلاء، هي لحظة، لحظة فقط ويتغير كل شيء مهما كان سيئا ومفاجئا سيكون بالتأكيد أفضل من جحيم الحياة هذه.»

مر وقت طويل ولم تتوقف العربات، حرك يديه المكبلتين فلمس قدم أحدهم، كان حافيا مثله، أدرك أنه ليس وحده، هنالك معتقلون آخرون معه أو على الأقل معتقل واحد يتقاسمه الشعور ويخفف عنه لمجرد وجوده معه.

توقفت العربة فجأة فدفعت الاستمرارية جسده إلى الأمام وارتطم رأسه بنهاية صندوق العربة، عض شفته السفلى من شدة الألم. سمع صوت جنود وبوابة كبيرة تفتح بعدها تحركت العربة مرة أخرى، ثم استدارت وتوقفت.

فتحوا العصابة من عينيه والقيود من يديه وقدميه، وأنزلوه على مهل، كان معه أربعة معتقلين آخرين في العربة نفسها، تم سوقهم إلى إحدى الثكنات في المعسكر لم يكن يعلم ماهية المكان، الطريق إلى الثكنة كان مبلطا بالحصو والأحجار الصغيرة السوداء المتكسرة التي كانت تقرص قدميه فتجعله يمشي بأطراف أصابعه متمايلا، أدخلوهم ثكنة تبدو أنها مخزن ملابس كبير جدا، وقد تم رص الملابس فيها داخل أكياس ورقية بنية اللون مفتوحة النهاية وظاهرة جزء منها للعيان في الزاوية اليسرى للثكنة، كان المشهد مشابها كثيرا ليوم دخل معسكر داخاو لأول مرة.

عاد هوس المثلثات ذات الألوان المختلفة على صدور المعتقلين إلى مخيلته، كان لون المثلث على صدر أحد الذين معه مثل اللون الذي على قميصه «أصفر»، واثنان آخران يحملان مثلثا أسود والأخير يحمل مثلثا بنفسجيا، شعر بضيق نفس شديد، قال في نفسه: «الجحيم مرة أخرى يا مايكل نجوت منه مرة ولن تتكرر النجاة منه مرة أخرى، الفرص في الحياة لا تتكرر، ومن لا يستغلها لا يجدي بعد زوالها ندم ولا حسرة. ماذا لو تركنا هذه الأرض الملعونة ورحلنا إلى فلسطين حال خروجي من داخاو؟! ما حجم العناد الأحمق الذي كنت أحمله يومها وآثرت البقاء إلى نهاية أيام التعهد! سامحيني يا سارة، وأنت يا أمي سامحوني كلكم أنا السبب بما حصل لكم.»

في الليل كان المعتقلون قد عادوا إلى الثكنة وتوزعوا إلى مخادعهم منهكين من يوم شاق، وجوههم شاحبة، عظام وجناتهم بارزة، والبعض قد نحل جسده حتى تدلت ملابسه البالية كأنه هيكل عظمي، أبصر الوجوه وكأنه رأى فيها مستقبل أيامه، وفجأة وقعت عينه على أحدهم كان يحمل على صدره مثلثا أخضر اللون «لا بد أنه من الغجر»، نصف وجهه الظاهر من زاويته يبدو ليس غريبا عنه تساءل: «أين رأيت هذا الوجه من قبل يا مايكل؟ أين؟» اقترب منه، كان فكره منشغلا سارحا بعيدا جدا خارج الأسوار الكهربائية التي تحيط بالمكان، واضعا كفيه تحت رأسه وقد أرخى جسده بطول السرير، كلما اقترب مايكل منه أكثر بانت ملامحه وزادت ظنونه يقينا بأنه يعرفه، عندما وقف على رأسه صدم! - روبرت!

अज्ञात पृष्ठ