जिनुसाइड: भूमि, जाति, और इतिहास
جينوسايد: الأرض والعرق والتاريخ
शैलियों
مدينة وان - تركيا 1895م
كان سوق مقاطعة غاردن عبارة عن شارع طويل ومزدحم بالناس والباعة المتجولين الذين يتنافسون فيما بينهم برفع أصواتهم ترويجا لتجارتهم .. أما الدكاكين فكانت متوزعة على طرفي الطريق «العطارين والصفارين والبزازين والنجارين»، وكل ما يحتاجه الناس هنا متوافر وبكثرة، بسبب موقع المدينة التي تعتبر مركزا تجاريا لقوافل التجار التي تمر من خلالها في طريقها إلى بغداد والتي تبدأ من مدينة «باتوم» مرورا ب «يريفان» في أرمينيا الشرقية إلى «وان»، ومنها إلى جولميريك مرورا من الموصل وصولا إلى بغداد، وكذلك القوافل التي تمر منها إلى مدينة تبريز الإيرانية.
استيقظ أرتين على أصوات العربات التي تجرها البغال، انتبه إلى غريغور وبانوس كانا غارقين في نوم عميق، فتح شباك الغرفة الخشبي المطل على السوق، كانت الشمس تولد من خلف التلة شيئا فشيئا وتحيط بها هالة من اللون البرتقالي الممزوج بالأحمر وكأنها توحي إلى مخاض عسير في السماء! كانت العربات المحملة بالفواكه والخضراوات التي تأتي من القرى تدخل تباعا إلى السوق، وأصحاب الدكاكين يضعون بضاعتهم أمام الباب بقليل، والعجائز في المقهى الملاصق للخان يحتسون الشاي ويتبادلون الأحاديث.
في زحام السوق كان البحث عن طرف خيط يوصلهم إلى الثوار كمن يبحث عن إبرة في كومة قش؛ فالثوار يعلقون البيانات الصادرة عن الحزب على الجدران في الليل، يحثون فيها الشبان الأرمن بالانضمام إليهم، ويتوعدون فيها بعض الأرمن المتعاونين مع الحكومة بالقتل، لكن البيان لأرمن المدينة الذين يعرفون بعضهم جيدا، ويستطيعون الوصول إليهم بسهولة، أما الغريب عن المدينة فيصعب عليه ذلك؛ فهم لا يملكون مركزا أمام أنظار الحكومة التي إن اعتقلت أحدهم، فقد ينتهي أمره في أحد سجون الآستانة أو حلب؛ فالوالي «بحري باشا» قد وضع أعينا كثيرة على السوق بعدما تكررت مشاهد الاغتيالات لبعض الضباط والجنود، وحتى بعض الأثرياء الذين يرفضون دفع الإتاوة للثوار. - أرتين يبدو أن بقاءنا هنا سيطول، وأن الانضمام إليهم ليس بالسهولة التي كنا نتوقعها؛ لذا أقترح أن تحاول أنت الوصول إليهم بأي طريقة كانت وتتفرغ لذلك، أما أنا وغريغور فنبحث عن عمل يعيننا على البقاء. - بانوس: محق يا أرتين.
أومأ أرتين برأسه موافقا وربت على كتف بانوس مبتسما، ثم وجه نظره نحو السوق الذي كان يعج بالمارة، تأمل الوجوه، ثم قال بصوت مسموع: يا ترى من من هؤلاء سيوصلنا إليهم؟ - أنت. - أنا؟! لكنني لست منهم؟ - يجب أن تكون لنصل.
تفاجأ أرتين من عمق إجابة بانوس، فالتفت إلى غريغور: ألم أقل لك في القرية إننا سنكون بحاجة إلى أفكاره كثيرا. - وأي فكرة عظيمة هذه؟ كيف ستكون منهم، أخبرني؟
هل ستتزوج من إحدى بناتهم لتكون منهم؟ إنك تبالغ في مدحه يا أرتين. - يا لك من أحمق يا غريغور! أنا قصدت أن يخالطهم، يجلس في المقهى، يحاول الاقتراب من أرمن المدينة، يكسب ودهم وثقتهم فيكشفون له الأسرار التي توصلنا إلى الثوار.
تنحنح غريغور وهو يحك فروة رأسه بأصابعه الأربعة، وشعر أنه أحمق بالفعل، فأراد أن يغير مجرى الحديث. - ألا تشعرون بالجوع؟
ابتسم أرتين بوجه بانوس. - هيا بنا. •••
في أحد الأيام، وبينما أرتين كان جالسا في المقهى قرب الخان، منشغلا في تفكير عميق وقد تخلل اليأس إلى جوفه، وبدأ يفكر بالعودة إلى القرية؛ لأن البقاء في المدينة بات لا يجدي نفعا، وأرمن مدينة وان حذرون جدا مع الغرباء حتى لو كانوا أرمنا مثلهم، ولا يخوضون في أحاديثهم عن الثوار وعملياتهم ضد العثمانيين ولا يتناقشون حول البيانات التي تصدر منهم وتعلق على الجدران في الليل، الخوف يتملك الجميع والكل هنا يبعد الشبهات عن نفسه؛ فالأعين التي وضعها الوالي كثيرة، ومصير من يؤيدهم مجهول، والناس هنا لا يأبهون كثيرا بما ينوي به أرتين ومن أجله ترك أهله وقريته، وفي خضم هذه الأفكار سمع أصوات أشخاص يصيحون: «افتحوا الطريق، إنه موكب الوالي! افتحوا الطريق! هييه، أنت صاحب العربة، تنح جانبا، هيا افتحوا الطريق.»
अज्ञात पृष्ठ