जिनुसाइड: भूमि, जाति, और इतिहास
جينوسايد: الأرض والعرق والتاريخ
शैलियों
وبينما هم كذلك انتبه حسن إلى أخته «سكينة» وهي تضرب بكتفها، على كتف أمها لتوحي لها أن تتكلم .. تنحنحت أم خالد ونظرت نحو زوجها: أبا خالد، أريد شراء بعض الحاجيات للبيت وقطعة قماش أخيط بها فستانا لسكينة؛ فعرس ابنة أختي فاطمة الخميس القادم، وهي لا تملك فستانا يليق بالمناسبة.
ساد الصمت بعدما توقفت أم خالد عن الكلام وتوجهت الأنظار خلسة إلى أبي خالد، رفع رأسه من صحنه ونظر بوجه ابنته التي احمرت وجنتاها، وقال كلمة واحدة وهو يغادر المائدة: حسنا.
همس خالد لأمه: أبي في ضيق مادي: الناس يشترون بالدين، والسوق متوقف تقريبا، والأوضاع في البلد غير مستقرة حتى إننا لا نملك ثمن بضاعة جديدة، لا تكثروا عليه بالطلبات، أنا في الدكان وأعلم ما يدور هناك. - سأقنعه ببيع قطعة من أرضنا الزراعية المتروكة على أطراف القدس. - ومن يشتري غير اليهود؟ وأنت تعلمين أن أبي لو متنا من الجوع لن يبيع شبرا لهم. - ولم اليهود؟ أبو هشام هو من يشتري، كنت عند أم هشام وأخبرتني أن زوجها يشتري الأراضي والبيوت من غير حاجة، فقط لكيلا يضطر الناس لبيعها لليهود.
نعم، السعر الذي يدفعه اليهود أكثر مما يدفعه أبو هشام، لكن الناس رغم حاجتهم الماسة لا يحبذون البيع لليهود. - لكن هنالك الكثيرين ممن باعوا ويبيعون لليهود! قال حسن ذلك.
رد خالد بحزم: الذي يبيع لهم وهو يعلم طمعهم بأرضنا وحلمهم بإقامة دولة عليها، لا يملك مبادئ في الحياة، وهو خائن للأرض، وسيلعنه التاريخ. - ومن يهتم للتاريخ! ومن يكتبه أصلا، الحاجة لا تعترف بالمبادئ! تمتم حسن وهو يغادر المائدة متوجها إلى غرفته.
ترك كلام أمه عن أبي هشام وما يفعله من أجل الحفاظ على الأرض بعيدا عن أطماع اليهود أثرا في نفس خالد، وتمنى لو أنه يملك مال قارون ليفعل مثل أبي هشام وأكثر، ويسد حاجة الناس ويمنعهم من اليهود.
آثر حسن أن يسأل الأستاذ محمود الخطيب عن أطماع اليهود في فلسطين؛ فهو لا يمانع أن يخرج عن المادة المقررة في الحصة، وبالأخص لأجل موضوع مهم كهذا. - بني: قبل الخوض في هذا الموضوع يجب أن تفرق بين اليهود والصهاينة؛ اليهود أهل الكتاب، ولنا معهم تاريخ مشترك لآلاف السنين على هذه الأرض، كما لنا مع المسيحيين مثل ذلك، بالرغم من كل المعارك والقتال الذي حصل على مر التاريخ بقيت الجيرة والعلاقات الطيبة بيننا. لكن الصهاينة هي مجموعة ذات فكر منحرف تريد بسط سيطرتها على اليهود أولا، ومن ثم على جميع سكان البلد، وهي على علاقة وطيدة بالمحتل البريطاني، وهؤلاء لا مانع لديهم أن يقتلوا اليهود أبناء جلدتهم من أجل بلوغ أهدافهم .. أذكر مرة دخلت بنقاش مع أحدهم عن فلسطين فقال لي: لو عدنا بالتاريخ لألفي سنة، كانت هذه الأرض ملكنا نحن؛ يقصد «مملكة داوود». فقلت له: ولماذا لا نعود بالتاريخ ثلاثة آلاف سنة لنجد أن هذه الأرض للكنعانيين الذين قدموا من جزيرة العرب وسكنوا فيها، وكتابكم التوراة يشهد بذلك، فلمن الأحقية إذن؟
سكت ولم يلق جوابا، ثم عاد يهدد بأن هذه المرة ستكون الأرض لهم إلى الأبد.
صمت قليلا، ثم استرسل بالكلام: من يظن أن هذه البقعة المباركة له وحده دون الآخرين فهو واهم، وإن توافرت له المقومات الكاملة بأن يسيطر عليها لفترة من الزمن، إنه صراع تاريخي على السيطرة، لكن يجب أن تدركوا يا أبنائي أنها لن تدوم تحت سيطرة أحد، لا نحن المسلمين ولا المسيحيين ولا حتى اليهود.
أبنائي .. إن مقاييس التاريخ الزمنية لا تشبه مقاييسنا نحن البشر؛ فالتاريخ يتكلم بالقرون والسنين الطوال، ويذكرها بكلمة أو كلمتين أحيانا، ونحن نتكلم بفترات أقصر بكثير، ولأجل ذلك تمر الأمم بفترات قوة وفترات ضعف، ومن يعيش في فترة القوة يظن أنها ستستمر إلى الأبد.
अज्ञात पृष्ठ