فبغتت إميلي ووالدتها لهذه المفاجأة، وهما لا تعلمان ما دار من الحديث في شأنهما بين سليم ووالدته. واكتفت إميلي بأن تظاهرت بالبكاء جزعا من ذلك الفراق، بينما ابتدرته والدتها قائلة: «إن صحتك يا بني أغلى وأهم من كل شيء، والأحسن أن تتريث حتى يتم شفاؤك، ثم تعود إلى القاهرة بعد يومين أو ثلاثة.»
فقالت إميلي لوالدتها وهي تصوب سهام عينيها إلى سليم: «لا تلحي عليه يا أماه فلعله مل الإقامة بيننا.»
فردت عليها والدته بقولها: «إن الإقامة معكم لا يمكن أن تمل ويا حبذا لو أنها دامت إلى الأبد!»
وقال سليم: «ما أظن أن الأبد يكفي.»
فقالت وردة: «لو كان هذا صحيحا، ما رغبت في التعجيل بالرحيل، ولكن ماذا نصنع في حظنا؟ إن المحبة لا تكون (بالنبوت)!»
فأخذ سليم يعتذر من تعجيل سفره بأن الضرورة الملحة هي التي اقتضته، وحرص على أن يظهر لوردة وابنتها أنه لا يمكن أن ينسى فضلهما ولطفهما، إلى أن اقتنعتا بإصراره على السفر، فقالت وردة: «إذن يحسن أن نقضي اليوم في النزهة على شاطئ البحر، كي يعاونك هواؤه النقي على استعادة قواك.»
فقال سليم: «إنها نزهة جميلة ولا شك، ولكني أرى أن أنام قليلا بعد الغداء؛ إذ إنني متعود ذلك.»
فوافقته وردة على أمل أن تخرج هي ووالدته في تلك النزهة ويخلو الجو لإميلي كي تظفر من سليم بما تريدان من مكاشفتها بحبه إياها ورغبته في الاقتران بها.
على أن والدته اعتذرت من عدم استطاعتها الخروج، ولم تفارق غرفة سليم حتى استيقظ من نومه بعد ساعة، متظاهرة بإعداد حقائبه للسفر في الغد. وما كاد يستيقظ حتى أعرب عن رغبته في أن يمضي ليلته بمنزل شقيقه فؤاد؛ كي يودعه وقرينته قبل سفره بقطار الصباح، فلم تجد وردة وإميلي بدا من النزول على رغبته بعد أن أصر عليها قياما بواجبه نحو شقيقه العزيز، ولأن منزله أقرب إلى المحطة. •••
أبت والدة سليم إلا أن تصحبه إلى القاهرة لكي ترى سلمى وتعتذر لها مما سببته لها من المتاعب والآلام. وكان حبيب في استقبالهما على المحطة إذ أبرق إليه سليم بموعد وصولهما، فعانق سليم مهنئا إياه بالشفاء، وقبل يد والدته مرحبا بها ودعاهما إلى الإقامة بمنزله في حلوان، فشكراه وأجلا ذلك إلى ما بعد زيارة سلمى. فقال: «إذن أمضي لأحضر والدتي ونذهب جميعا في هذه المهمة.» فوافقا على ذلك.
अज्ञात पृष्ठ