وبعد قليل عادت والدتاهما إلى الغرفة ووجهاهما يتألقان بشرا وسعادة، وجلسن يتحدثن في مختلف الشئون العادية، ثم نهضت والدة حبيب وشقيقته فقبلتا أدما ، وودعتاها وأمها وانصرفتا مشيعتين بعبارات المودة والاحترام. •••
كان حبيب بعد أن ارتاح باله واطمأن على صديقه سليم، قد عاد إلى الحديث عن أدما مع والدته، ثم اتفقا على أن تمضي هي وشقيقته لمحادثة والدتها في أمر خطبتها له، فإذا وجدتا منها قبولا، ذهب هو لمقابلة أبيها وخطبها منه وأعلنا الخطبة رسميا.
فلما عادت والدته وشقيقته من مهمتهما، وجدتاه في انتظارهما بالمنزل نافد الصبر وعلى وجهه آثار القلق والانقباض، فبشرته والدته بأن والدة أدما رحبت بخطبتها له مؤكدة أنها سعيدة بذلك لما عهدته فيه من الأدب والكمال والنشاط في عمله. كما أكدت أن الخواجة سعيد والد أدما لن يكون أقل منها ترحيبا وسرورا بهذه الخطبة.
فأشرق وجه حبيب ابتهاجا، ولكنه قلق لما سمعه من أن أدما منحرفة الصحة وكانت معتكفة في فراشها حين زارتها والدته وشقيقته، ولم يهدأ باله إلا بعد أن أكدتا له أنها بخير، ولا تلبث قليلا حتى تسترد عافيتها كاملة. ثم استشار والدته في أن يمر بمنزل أدما في اليوم التالي بعد خروجه من الديوان لعيادتها، فقالت له: «إن العادة جرت بأن يمسك الشاب عن زيارة الفتاة التي شرع في خطبتها حتى يتم عقد الخطبة رسميا.» فتكدر لذلك رغم أن والدته أكدت له أن حرمانه من رؤية أدما لن يستمر أكثر من أيام معدودة ريثما يتم شفاؤها ثم مقابلته لأبيها والاتفاق معه على خطبتها.
وفي اليوم التالي ذهب إلى مقر عمله في القاهرة كعادته، وفيما هو يفكر في أدما ومرضها وعدم استطاعته زيارتها إلا بعد أيام، جاءه خطاب سليم من الإسكندرية يقول فيه:
أخي الحبيب وصديقى الحميم حبيب
عندي لك حديث طويل أرجئه إلى أن نجتمع قريبا بمشيئة الله، وإنما كتبت إليك هذا الخطاب لكي تبادر بمقابلة سلمى وتبلغها فيما بينك وبينها أني شفيت من مرضي، وكل ما أتمناه أن تكون هي في خير وعافية، وأن تصفح عن ذنوبي الكثيرة لديها صفح الكرام.
هذا وإني لكبير الأمل في أن تبذل أقصى جهدك في إقناعها بزوال ما اعترض سبيل خطبتنا من عقبات، وأن تواصل تعزيتها والترفيه عنها حتى أعود إلى القاهرة وألتقي بكما بعد أيام، وحينئذ أسمعكما معا ذلك الحديث الطويل الذي أشرت إليه في أول هذا الخطاب. وهو حديث طريف ينطوي على قصة ليس هناك ما هو أعجب منها، حتى أنها لتفوق كل ما تخيله كتاب الروايات.
ولكم جميعا أزكى تحياتي وأشواقي. ودمت لصديقك.
المخلص: سليم
अज्ञात पृष्ठ