فهمت بالتكلم، ومدت يدها إليه وهي ترتجف فأمسكت يده ونظرت إليه باكية، ولكنه سرعان ما جذب يده من يدها نافرا، وابتدرها بالكلام قائلا: «لماذا تمدين يدك إلي؟ ألا تخافين رفضها؟»
قالت وقد علا بكاؤها: «ما هذا يا سليم؟ لماذا تخاطبني بمثل هذا الكلام؟ ما الذي جرى لك وماذا تضمر؟ إني أستحلفك بالمحبة أن تخبرني بحقيقة مرادك.»
فقال وقد اشتد غضبه: «أية محبة تعنين؟ دعي ذكر المحبة فقد كفى ما لحق بها!»
فلم تتمالك عواطفها، وشعرت بتخاذل قواها، فجلست على حجر هناك، وجعلت رأسها بين يديها وأخذت في البكاء والشهيق حتى كاد يغمى عليها.
فنزلت تلك العبرات على قلب سليم بردا وسلاما، وأخمدت ما كان متقدا في قلبه من نيران الغيرة والحنق، وعادت إليه عواطفه نحوها ناسيا ما سمعه عنها، وأمسك عما كان يريده من توبيخها وتعنيفها، وصار ينظر إليها نظره إلى ملاك طاهر، وقد ندم على ما فرط منه من الكلام، وهم بيدها فأمسكها وأنهضها، فابتلت يده بالدموع التي كانت تتساقط على خديها، ووقفت هي ساكتة تمسح عينيها بمنديلها الذي في يدها الأخرى.
فقال لها: «خففي عنك يا سلمى وكفي عن البكاء، فلست أطيق أن أراك باكية.»
فرفعت يدها عن عينيها ونظرت إليه بطرف قد كدرته الدموع فذبل وتكسرت أهدابه. فوقعت تلك النظرة في قلبه موقع السهم وهاجت فيه عاطفة الحب حتى ترقرقت الدموع في عينيه وقال: «عفوا يا عزيزتي، واعتبري ما حدث كأنه لم يكن، فإني ما أردت بما قلته إلا تجربة محبتك.»
فتنهدت سلمى تنهدا عميقا وقالت وهي غير واثقة بصدق ما يقول: «أما زلت في حاجة إلى تجربة محبتي لك؟ ألم تعلم بمكنونات قلبي من قبل؟ أما والله إنك لأول وآخر من طرق قلبي وأقام به. فهل عندك شك في ذلك يا سليم؟ آه ثم آه من قلوب الرجال ما أقساها!»
فلما سمع منها ذلك خفق قلبه؛ لأنه ذكره بحديث داود عنها، ولكن الحب كان قد تسلط على عواطفه فقال لها وقد وطد نفسه على حبها رغم كل شيء: «كوني كيف شئت وافعلي ما بدا لك، فإني قد ملكتك هذا القلب تصنعين به ما تريدين.»
فلم يعجبها ما تخلل عبارته من الشك في صدق محبتها وقالت له: «ألا تزال ترميني بنبال الكلام المموه يا سليم؟ قلت لك صرح بمرادك وأطلعني على حقيقة رأيك إذا كنت مرتابا في صدق طويتي أو داخلك شك في حبي لك.» قالت ذلك وتنهدت ثم انقطع كلامها وهي لا تقوى على الوقوف لشدة الانفعال، فحاولت الجلوس على ذلك الحجر فأمسكها بيدها وقال: «كلا يا سلمى، لست أشك في محبتك لي، ولا في محبتي لك، وإن قلبي لا يفتأ يحدثني بأنك تكنين لي مثل ما أكنه لك، فثقي بما أقول، ودعينا من هذا الحديث وهلم بنا لنلحق ببقية الجماعة فإنهم ولا شك قد استبطئونا، ولنقض بقية اليوم في التنزه والترفيه عن النفس، تاركين شكوى الغرام إلى فرصة أخرى.»
अज्ञात पृष्ठ