قالت سوزيلا: وأنا على يقين أننا إذا لم نكن قد ولدنا في بالا لعشنا بعد ذلك، بغير ثبات وغير نبات. وعلى أية حال - إذا أخذنا في اعتبارنا كل الظروف - استطعنا أن نسير معا سيرا طيبا بدرجة ملحوظة. - وكيف تسنى لكم ذلك؟ - لم نفعله بأنفسنا، بل فعله لنا غيرنا. هل قرأت ما قال راجا العجوز عن التخلص من ثلثي الأحزان التي نصنعها بأيدينا بغير مبرر؟
وأومأ ويل برأسه إيجابا وقال: كنت أقرؤه عندما قدمت.
وواصلت حديثها قائلة: في الأيام السيئة السالفة كانت الأسر في بالا مثلما هي عندكم اليوم مضحية بأفرادها، ظالمة، داعية للكذب. ولقد بلغت من السوء ما حدا بالدكتور أندرو وراجا المصلح أن يقررا ضرورة إعادة النظر فيها. واستغلا الأخلاق البوذية والشيوعية البدائية في القرية لخدمة الأهداف المعقولة. وعلى مدى جيل واحد تغير نظام الأسرة كله من أساسه. وترددت لحظة ثم واصلت الحديث: ولأوضح لك ما أعني في حدود حالتي الخاصة؛ طفلة وحيدة لشخصين لم يكن بينهما تفاهم وكانا دائما على خلاف في الأهداف أو في شجار فعلي. في الأيام الخوالي كانت الفتاة الصغيرة التي تنشأ في مثل هذه الظروف تنتهي إما إلى الهلاك، وإما إلى التمرد، وإما إلى الاستسلام للنفاق من أجل الالتزام بالتقاليد. أما في ظل النظام الجديد فلم يكن لزاما علي أن أتحمل عناء لا ضرورة له، فلم أتحطم ولم أضطر إلى التمرد أو الاستسلام. لماذا؟ لأنه منذ اللحظة التي استطعت فيها أن أمشي كانت لي حرية الهروب.
وكرر قوله: الهروب؟ الهروب؟ هذا أمر حسن جدا بدرجة لا تصدق.
وشرحت له كيف أن «الهروب» من صلب النظام الجديد ، إذا صار «بيت الأبوين، البيت الحلو» كما يقولون غير محتمل، يسمح للطفل، بل يشجع على الهجرة إلى بيت من بيوته الأخرى، ووراء هذا التشجيع ثقل الرأي العام كله. - وكم بيتا للطفل في بالا؟ - نحو عشرين في المتوسط. - عشرون! يا إلهي!
ووضحت له سوزيلا ذلك بقولها: كلنا ننتمي إلى ناد من نوادي التبني المتبادل (ويختصر هكذا: ن. ت. م)، وكل ناد من هذه النوادي يتألف من نحو خمسة عشر إلى خمسة وعشرين زوجا مختلطا. العرائس والعرسان المنتخبون حديثا، والقدامى أصحاب الأطفال الكبار، والأجداد وآباء الأجداد؛ كل فرد في النادي يتبنى كل فرد آخر. لكل منا بخلاف أقربائه بصلة الرحم عدد معين من نائبات الأمهات ونواب الآباء، ونائبات العمات والأعمام، ونواب الإخوة والأخوات، ونواب صغار الأطفال والأطفال الذين هم في مرحلة المشي والأبناء المراهقون.
وهز ويل رأسه: ذلك ينمي عشرين أسرة بعدما كانت أسرة واحدة هي التي تنمو.
ولكن ما كان ينمو من قبل هو نوع الأسرة عندكم. أما العشرون فكلها نوع الأسرة عندنا. ثم قالت وكأنها تقرأ تعليمات في كتاب للطهو: خذ عبدا مأجورا عاجزا، عاجزا جنسيا، وأنثى ساخطة، واثنين (وإن شئت) ثلاثة من صغار مدمني التلفزيون، وانقع ذلك في مخلوط من مذهب فرويد والمسيحية المخففة، واحفظ كل ذلك في زجاجة محكمة الغلق في شقة ذات أربع غرف، ودعه يطهى ببطء في عصيره لخمسة عشر عاما. أما طريقة طهونا فمختلفة تماما: خذ عشرين زوجا راضين جنسيا وذريتهم، وأضف إليهم العلم والبداهة والفكاهة بكميات متساوية، واغمس ذلك في بوذية تانترية، ودع ذلك يغلي ببطء؛ إلى ما لا نهاية في وعاء مكشوف في الهواء الطلق فوق لهب فوار من المحبة.
وسألها: وماذا يخرج من الوعاء المكشوف؟ - نوع من الأسرة مختلف تماما. ليس مانعا كالأسرة عندكم. وليس مقدسا ولا ملزما. هي أسرة جامعة. ليست مقدرة، وهي اختيارية، عشرون زوجا من الآباء والأمهات، وثمانية أو تسعة من الآباء السابقين والأمهات السابقات وأربعون أو خمسون طفلا منوعا من جميع الأعمار. - وهل يبقى الناس في ناد واحد للتبني طوال حياتهم؟ - كلا بالطبع. الأطفال الكبار لا يختارون آباءهم أو إخوتهم أو أخواتهم الخاصين بهم. بل ينطلقون ليختاروا مجموعة أخرى ممن يكبرونهم، ثلة أخرى من زملائهم ومن يصغرونهم. ويتبناهم هذا النادي الجديد كما يتبنى - عندما يحين الوقت - أبناءهم. علماء الاجتماع عندنا يسمون هذه العملية تهجين صغار الأحياء، وهي في مجالها نافعة كتهجين الفصائل المختلفة من الذرة أو الدجاج، علاقات أصح في جماعات أكثر مسئولية، وتعاطف أوسع وتفاهم أعمق. وهذا التعاطف والتفاهم متاح لكل فرد في «ن. ت. م» من الأطفال الرضع إلى من يجاوزون المائة عام. - يجاوزون المائة عام؟ ما مدى طول العمر عندكم؟
أجابت: إنه يطول عاما أو عامين أكثر منه عندكم. عشرة في المائة منا فوق خمسة وستين. والكبار يتقاضون معاشا إذا عجزوا عن الكسب. ولكن المعاش بطبيعة الحال لا يكفي؛ فهم يحتاجون إلى شيء نافع ويبعث على التحدي، وهم يحتاجون إلى أناس يعنون بهم ويجدون منهم المحبة لقاء هذه العناية، و«ن. ت. م» يلبي هذه الحاجات.
अज्ञात पृष्ठ