وتحدث بلفظ وأسلوب رجل البلاط إلى حد كاد أن يكون تهكميا، يدعو إلى السخرية لأنه أراد أن يمثل به الاحترام والمذلة في آن واحد.
فقال: الذهن في مكانه الطبيعي؛ الرأس. أما أنا فلست سوى جزء من الجهاز العصبي المتعاطف في راندنج.
وقالت الراني: وأي تعاطف! باهو يا مستر فارنبي له صفات كثيرة؛ من بينها أنه آخر الأرستقراطيين، ويجب أن تزور بلاده أما أشبهها «بألف ليلة وليلة». إذا صفقت بيديك كان في خدمتك في الحال ستة من الخدم. وهم هناك يحتفلون بأعياد ميلادهم، ويقيمون الحفلات الليلية في الحدائق. الموسيقى والمرطبات والراقصات، ومائتا حارس يحملون المشاعل، إنها حياة هارون الرشيد بعد سبكها في صيغة حديثة .
وقال ويل: هذا وصف بهيج. وقد تذكر القرى التي مر بها في عربة الكولونيل ديبا المرسيدس البيضاء؛ تذكر الأكواخ المسقوفة بالقش المضفور بالقضبان، والقاذورات، والأطفال المصابين بالرمد، والكلاب الهزيلة، والنساء اللائي تنوء بالأحمال الثقيلة.
واستطردت راني تقول: ذوقه رفيع، وعقله مليء بالمعرفة. ثم أخفضت صوتها وقالت: ويتخلل ذلك كله إحساس عميق قوي بالمقدسات.
وأحنى مستر باهو رأسه، ثم ساد الصمت بعد ذلك.
وفي أثناء ذلك اجتذب موروجان مقعدا، وجلست فوقه بوزنها الذي يبلغ مائة كيلوجرام الذي تؤكد به جلالتها دون أن تلتفت خلفها، وهي على ثقة ملكية بأن طبائع الأشياء تقتضي أن يكون هناك دائما شخص قريب المنال يكفل امتناع الأحداث السيئة كما يكفل الاحتفاظ بالكرامة.
ووجهت حديثها إلى ويل قائلة له: أرجو ألا تحس أن زيارتي لك نوع من التطفل. وأكد لها أنه لا يشعر بهذا الإحساس، ولكنها - مع ذلك - استمرت في تقديم الأعذار وقالت: كان ينبغي لي أن أخطرك مقدما وأن أحصل على إذن منك. ولكن صوتي الضعيف قال لي: «لا، يجب أن تذهبي فورا، لماذا لست أدري. ولكننا سوف نعرف السبب في الوقت المناسب من غير شك.» وحدقت فيه بعينيها الكبيرتين الجاحظتين وابتسمت له ابتسامة مبهمة، وأردفت قائلة: والآن كيف حالك أولا يا عزيزي مستر فارنبي؟ - كما ترين يا سيدتي، حالتي جيدة للغاية.
وحدقت في وجهه بعينيها الجاحظتين في إمعان ارتبك له، وقالت: حقا؟ إنك في نظري الرجل البطل الذي يراعي شعور الآخرين ويطمئن أصدقاءه حتى وهو على سرير الموت.
قال: أنت تمالقينني. ولكن حقا أنا في حالة جيدة، حالة جيدة بصورة تدعو إلى الدهشة، بل هي - إذا أخذنا كل شيء في الاعتبار - معجزة.
अज्ञात पृष्ठ