128

وأتم الدكتور روبرت عبارته فقال في أناة: وتقتل نفسك. ولكن ديوجولد كان يتسلق وحده. وبعد فترة قصيرة من الصمت واصل حديثه قائلا: ولا يعرف أحد ما حدث، ولم نعثر على جثته إلا في اليوم التالي. ثم سادت فترة طويلة من الصمت.

سأل ويل، وقد أشار بعصاه الخيزرانية إلى الأجسام الصغيرة التي تزحف جاهدة فوق سطح تلك البقعة الرأسية من الأرض الجرداء التي لا يكسوها شيء غير الصخور: هل لا زلت تعتقد أنها فكرة حسنة؟

قال الدكتور روبرت: نعم لا زلت أعتقد أنها فكرة حسنة. - ولكن سوزيلا المسكينة ...

وكرر الدكتور روبرت القول بعده: نعم سوزيلا المسكينة، والأطفال المساكين، ولاكشمي المسكينة، وأنا المسكين. ولكن إذا كان ديوجولد لم يعتد المخاطرة بحياته فربما صار كل امرئ مسكينا لأسباب أخرى. ومن الأفضل أن تتعرض لخطر قتل النفس بدلا من أن تعرض حياة الآخرين للخطر، أو أن تجعلهم من البائسين على الأقل. تؤذيهم لأنك بطبعك عدواني، أشد حذرا أو أكثر جهلا من أن تصب عدوانك على الصخور المرتفعة. وواصل حديثه بنغمة أخرى قائلا: والآن أريد أن أطلعك على المنظر.

وانطلق فيجايا نحو المجموعة التي كانت عند سفح الصخور الحمراء وقال: أما أنا فسوف أذهب إلى هؤلاء الفتية والفتيات وأتحدث إليهم.

وسار ويل في أثر الدكتور روبرت مخلفا وراءه موروجان يقرأ «الرواية العلمية». وشقا طريقهما خلال باب يقوم على أعمدة وعبرا الرصيف الصخري العريض الذي يحيط بالمعبد. وفوق ركن من أركان هذا الرصيف كانت هناك مقصورة ضيقة تعلوها قبة. ودخلاها وسارا نحو نافذة عريضة بغير زجاج ونظرا من خلالها فظهر لهما البحر مرتفعا عند خط الأفق يشبه جدارا صلبا من اليشم واللازورد، وفي أسفل، وعلى مسقط ارتفاعه ألف قدم بدت خضرة الغابة، وظهرت المنحدرات الواطئة متصلة بواد فسيح تمتد عند حافته البعيدة بين حدائق السوق وساحل البحر الذي تحفه أشجار النخيل مدينة كبيرة، وتقع هذه المنحدرات خلف الغابة ملتوية التواء رأسيا في شكل أودية صغيرة ونتوءات صخرية، وتمتد أفقيا حتى تصل إلى درج ضخم من صنع الإنسان، درج من حقول لا تحصى. ومن هذا الموقع المرتفع بدت المدينة كلها مشرقة، تشبه صورة زيتية صغيرة رسمت بدقة مما يجده المرء في كتب العصور الوسطى.

قال الدكتور روبرت: هذه هي شيفا بورام. ومجمع المباني هذا الذي تراه فوق التل وراء النهر هو معبد بوذا العظيم. بني قبل بوروبودور

1

بقليل، وهو في جمال نحته يشبه أي مبنى في الهند القديمة. وسادت فترة من الصمت استأنف الحديث بعدها قائلا: وفي هذا البيت الصيفي الصغير اعتدنا أن نتناول وجباتنا الخفيفة كلما أمطرت السماء. لن انسى أبدا ذلك الوقت الذي كان ديوجولد يلهو فيه بالتسلق فوق إفريز النافذة وهو واقف على ساق واحدة في وضع شيفا وهو يرقص (وكان حينئذ في نحو العاشرة من عمره). مسكينة لاكشمي، كاد عندئذ يطير صوابها. ولكن ديوجولد كان منذ مولده كأنه أحد المشتغلين بترميم أبراج الكنائس وتسلقها؛ مما يجعل الحادث أكثر إبهاما وغموضا. وهز رأسه وصمت قليلا مرة أخرى ثم قال: آخر مرة آتينا فيها إلى هنا كانت منذ ثمانية أو تسعة أشهر. وكان ديوجولد لا يزال على قيد الحياة، ولاكشمي لم تبلغ من الضعف بعد ما يمنعها من الخروج مع أحفادها يوما كاملا. وقد قام بهذا العمل البهلواني يقلد به شيفا لمصلحة توم كريشنا وماري ساروجيني. وقف على ساق واحدة، وأخذ يلوح بيديه بسرعة عجيبة تجعل الرائي يقسم أنه يحرك أربع أذرع. وهنا توقف الدكتور روبرت عن الكلام، والتقط من الأرض شريحة من الملاط، وقذف بها من النافذة، وقال: إلى أسفل، وأسفل، وأسفل؛ هنا فضاء وفراغ. أليس من العجب أن يكون هذا أقوى رمز للموت وأقوى رمز في الوقت عينه لأكمل حياة وأغناها! وأشرق وجهه فجأة وقال: هل ترى هذا الصقر؟ - صقر؟

أشار الدكتور روبرت إلى ماكن يقع وسطا بين وكر الصقور فوق التل والظلام الذي يعلو الغابة حيث شاهد تمثالا مجسما صغيرا بني اللون يمثل السرعة والنهب يتحرك وئيدا بأجنحة لا حراك فيها، وقال: هذا يذكرني بقصيدة نظمها راجا العجوز عن هذا المكان. وصمت لحظة وأخذ ينشد:

अज्ञात पृष्ठ