فقرر مع محمد باشا الصلح الذي كان عقده حي والده -سلام الله عليهما- وحفظ المقام وأنفذ الأحكام، وأنقذ في تلك المجاعة الأرامل والأيتام بل الخاص والعام، فإنه استقبل -عليه السلام- أعظم مما كان في عام موت أبيه -عليهما السلام- من الشدة حتى كان أهل النفقات واللائذ بشهارة المحروسة بالله من جميع الجهات ما لا يحصره قلم على جهة التحقيق، وإن كان على سبيل التقليل والتقريب يكفيك أن الوزعة لإخراج المخروج بنظر الفقيه الفاضل عماد الدين: يحيى بن محمد بن حنش رحمه الله فوق خمسة أنفار مع كل واحد كيال للمخروج وأعوان، ولا يراهم أحد ينفكون نهارا وبعض الليل عن تفقد المسلمين على طبقاتهم ممن اجتمع من الملهوفين، ولقد رأيته -سلام الله عليه- مرارا يخرج إليهم ولا يقدر أن يحفظ نفسه من تهافتهم عليه عن(1) رؤية طلعته الكريمة إلا بأن يركب حصانا مشهورا بالقوة ثم يرتفع إلى عال، فيتفقد أهل الحاجات ويقرر كفايتهم من القوت والكسوة وقد يستقيم مرارا عند حاجبه، ثم يستدعي الضعفاء(2) وأهل المتربة حتى يملأ الإيوان الكبير، ثم يحضر معهم مع كاتبه ويقف معهم كأحدهم، وقد استوثق من الباب ويسأل كل واحد عن حاجته فيقضيها فلا يقوم عن مجلسه حتى يكملوا، وهكذا كان -سلام الله عليه- حتى مضى لسبيله -صلوات الله عليه-.
ولقد رأيت في تلك الأيام عجبا كبيرا، من ذلك أنها لما كثرت العقائر من الواردين للتعزية في والده رضوان الله عليهما أمر -عليه السلام- أن يجعل حصة منها لأهل المدارس الإمامية على طبقاتهم، وقد ذكرنا في الجزء الأول قدر المكاتب.
पृष्ठ 3