وقوله سبحانه وإذا قرئى القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ذكر الطبري وغيره أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا بمكة بتكلمون في المكتوبة بحوائجهم فنزلت الآية أمرا لهم بالاستماع والإنصات في الصلاة وأما قول من قال أنها في الخطبة فضعيف لأن الآية مكية والخطبة لم تكن إلا بعد الهجرة وألفاظ الآية على الجملة تتضمن تعظيم القرآن وتوقيره وذلك واجب في كل حالة والإنصات السكوت قال الزجاج ويجوز أن يكون فاستمعوا له وأنصتوا أي اعملوا بما فيه ولا تجاوزوه قال ابن العربي في أحكامه روى الترمذي وأبو داود عن عبادة بن الصامت قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح فثقلت عليه القراءة فلما أنصرف قال إني لأراكم تقرءون وراء إمامكم قلنا يا رسول الله إي والله فقال لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها وقد روى الناس في قراءة المأمومين خلف الإمام بفاتحة الكتاب أحاديث كثيرة وأعظمهم في ذلك اهتبالا الدارقطني وقد جمع البخاري في ذلك جزءا وكان رأيه قراءة الفاتحة خلف الإمام في الصلاة الجهرية وهي إحدى روايات مالك وهو اختيار الشافعي انتهى وقد تقدم أول الكتاب ما اختاره ابن العربي وقوله سبحانه وأذكر ربك في نفسك الآية مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعم جميع أمته وهو أمر من الله تعالى بذكره وتسبيحه وتقديسه والثناء عليه بمحامده والجمهور على أن الذكر لا يكون في النفس ولا يراعى إلا بحركة اللسان ويدل على ذلك من هذه الآية قوله دون الجهر من القول وهذه مرتبة السر والمخافتة وقال الفخر المراد بقوله تعالى وأذكر ربك في نفسك كونه عارفا بمعاني الإذكار التي يقولها بلسانه مستحضرا لصفات الجلال والعظمة وذلك أن الذكر باللسان إذا كان عاريا عن الذكر بالقلب كان عديم الفائدة إلا ترى أن الفقهاء أجمعوا على أن الرجل إذا قال بعت واشتريت مع أنه لا يعرف معاني هذه الألفاظ ولا يفهم منها شيئا فإنه لا ينعقد البيع والشراء فكذلك هنا قال المتكلمون وهذه الآية تدل على إثبات كلام النفس
وقوله تعالى ولا تكن من الغافلين يدل على أن الذكر القلبي يجب أن يكون دائما وأن لا يغفل الإنسان لحظة عن استحضار جلال الله وكبريائه بقدر الطاقة البشرية وتحقيق القول في هذا أن بين الروح والبدن علاقة عجيبة لأن كل أثر يحصل في البدن يصعد منه نتائج إلى إلى الروح ألا ترى أن الإنسان إذا تخيل الشيء الحامض ضرس منه وإذا تخيل حالة مكروهة أو غضب سخن بدنه انتهى وتضرعا معناه تذللا وخضوعا البخاري وخيفة أي خوفا انتهى
पृष्ठ 79