أول مرة بما دعوا إليه من عبادة الله تعالى فأخبر الله عز وجل على هذا التأويل بصورة فعله بهم وقالت فرقة قوله كما في هذه الآية إنما هي بمعنى المجازاة أي لما لم يؤمنوا أول مرة نجازيهم بأن نقلب افئدتهم عن الهدى ونطبع على قلوبهم فكأنه قال ونحن نقلب افئدتهم وأبصارهم جزاء لما لم يؤمنوا أول مرة بما دعوا إليه من الشرع والضمير في به يحتمل أن يعود على الله عز وجل أو على القرآن أو على النبي صلى الله عليه وسلم ونذرهم معناه نتركهم والطغيان التخبط في الشر والإفراط فيما يتناوله المرء ويعمهون معناه يترددون في حيرتهم وقوله سبحانه ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى الآية أخبر سبحانه أنه لو أتي بجميع ما اقترحوه من انزال ملائكة واحياء سلفهم حسبما اقترحه بعضهم أن يحشر قصي وغيره فيخبر بصدق محمد عليه السلام أويحشر عليهم كل شيء قبلا ما آمنوا إلا بالمشيئة واللطف الذي يخلقه ويخترعه سبحانه في نفس من يشاء لا رب غيره وقرأ نافع وغيره قبلا ومعناه مواجهة ومعاينة قاله ابن عباس وغيره ونصبه على الحال وقال المبرد معناه ناحية كما تقول لي قبل فلان دين قال ع فنصبه على هذا هو على الظرف وقرأ حمزة وغيره قبلا بضم القاف والباء واختلف في معناه فقال بعضهم هو بمعنى قبل بكسر القاف أي مواجهة كما تقول قبل ودبر وقال الزجاج والفراء هو جمع قبيل وهو الكفيل أي وحشرنا عليهم كل شيء كفلاء بصدق محمد صلى الله عليه وسلم وقال مجاهد وغيره هو جمع قبيل أي صنفا صنفا ونوعا نوعا والنصب في هذا كله على الحال ولكن أكثرهم يجهلون أي يجهلون في اعتقادهم أن الآية تقتضي إيمانهم ولا بد فيقتضي اللفظ أن الأقل لا يجهل فكان فيهم من يعتقد أن الآية لو جاءت لم يؤمن إلا من شاء الله منه ذلك قلت وقال مكي ولكن أكثرهم يجهلون أي في مخالفتك وهم يعلمون أنك نبيء صادق فيما جئتهم به وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يداعب أبا سفيان بعد الفتح بمخصرة في يده ويطعن بها أبا سفيان فإذا أحرقته قال نح عني مخصرتك فوالله لو أسلمت إليك هذا الأمر ما اختلف عليك فيه اثنان فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أسألك بالذي أسلمت له قتالك إياي عن أي شيء كان فقال له أبو سفيان تظن أني كنت أقاتلك تكذيبا مني لك والله ما شككت في صدقك قط وما كنت أقاتلك إلا حسدا مني لك فالحمد لله الذي نزع ذلك من قلبي فكان النبي صلى الله عليه وسلم يشتهي ذلك منه ويتبسم انتهى من الهداية وقوله سبحانه وكذلك جعلنا لكل نبيء عدوا شياطين الانس والجن الآية تتضمن تسلية النبي صلى الله عليه وسلم وعرض القدوة عليه أي هذا الذي امتحنت به يا محمد من الأعداء قد امتحن به غيرك من الأنبياء ليبتلي الله أولى العزم منهم وشياطين الإنس والجن يريد المتمردين من النوعين ويوحى معناه يلقيه في اختفاء فهو كالمناجاة والسرار وزخرف القول محسنه ومزينه بالأباطيل قاله عكرمة ومجاهد والزخرفة أكثر ما تستعمل في الشر والباطل وغرورا مصدر ومعناه يغرون به المضللين والضمير في فعلوه عائد على اعتقادهم العداوة ويحتمل على الوحي الذي تمضنه يوحى وقوله سبحانه فذرهم وما يفترون لفظ يتضمن الأمر بالموادعة وهو منسوخ قال قتادة كل ذر في كتاب الله منسوخ بالقتال وقوله سبحانه ولتصغى معناه لتميل قال الفخر والضمير في قوله ولتصغى إليه افئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة يعود على زخرف القول وكذلك في قوله وليرضوه والإقتراف معناه الإكتساب وقال الزجاج وليقترفوا أي يختلقوا ويكذروا والأول أفصح انتهى والقراء على كسر اللام في الثلاثة الأفعال على أنها لام كي معطوفة على غرورا وحكما أبلغ من حكام إذ هي صيغة للعدل من الحكام والحاكم جار على الفعل فقد يقال للجائر ومفصلا معناه مزال الأشكال والكتاب أولا هو القرآن وثانيا اسم جنس للتوراة والإنجيل والزبور والصحف وقوله تعالى فلا تكونن من الممترين تثبيت ومبالغة وطعن علىالممترين قلت وقد تقدم التنبيه على أنه صلى الله عليه وسلم معصوم وأن الخطاب له والمراد غيره ممن يمكن منه الشك وقوله سبحانه وتمت كلمات بك صدقا وعدلا الآية تمت في هذا الموضع بمعنى استمرت وصحت في الأزل صدقا وعدلا وليس بتمام من نقص ومثله ما وقع في كتب السيرة من قولهم وتم حمزة على إسلامه في الحديث مع أبي جهل والكملمات ماأنزل على عباده ولا مبدل لكلماته معناه في معانيها وقوله سبحانه وان تطع أكثر من في الأرض الآية المعنى فامض يا محمد لما أمرت به وبلغ ما أرسلت به فإنك أن تطع أكثر من في الأرض يضلوك قال ابن عباس الأرض هنا الدنيا وحكي أن سبب هذه الآية أن المشركين جادلوا النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الذبائح وقالوا أتأكل ما تقتل وتترك ما قتل الله فنزلت الآية ثم وصفهم تعالى بأنهم إنما يقتدرون بظنونهم ويتبعون تخرصهم والخرص الحرز والظن وهذه الآية خبر في ضمنه وعيد للضالين ووعد للمهتدين وقوله سبحانه فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين الآية القصد بهذه الآية النهي عما ذبح للنصب وغيرها وعن الميتة وأنواعها ولا قصد في الآية إلى ما نسي المؤمن فيه التسمية أو تعمدها بالترك وقوله سبحانه وما لكم إلا تأكلوا الآية ما استفهام يتضمن التقرير وقد فصل لكم ما حرم عليكم أي فصل الحرام من الحلال وانتزعه بالبيان وما في قوله إلا ما اضطررتم إليه يريد بها من جميع ما حرم كالميتة وغيرها وهي في موضع نصب بالاستثناء والاستثناء منقطع وقوله سبحانه وأن كثيرا يريد الكفرة المحادين المجادلين ثم توعدهم سبحانه بقوله إن ربك هو أعلم بالمعتدين وقوله جلت عظمته وذروا ظاهر الإثم وباطنه نهي عام والظاهر والباطن يستوفيان جميع المعاصي وقال قوم الظاهر الأعمال والباطن المعتقد وهذا أيضا حسن لأنه عام وروي ابن المبارك في رقائقه بسنده عن أبي إمامة قال سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم ما الاثم قال ما حك في صدرك فدعه وروى ابن المبارك أيضا بسنده أن رجلا قال يا رسول الله ما يحل لي مما يحرم علي فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد عليه ثلاث مرات في كل ذلك يسكت رسول الله ثم قال أين السائل فقال أنا ذا يا رسول الله قال ما أنكر قلبك فدعه انتهى وقد ذكرنا معناه من طرق في غير هذا الموضع فاغنى من عادته ثم توعد تعالى كسبة الاثم بالمجازاة على ما اكتسبوه من ذلك والأقتراف الإكتساب وقوله سبحانه ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وانه لفسق الآية مقصد الآية النهي عن الميتة إذ هي جواب لقول المشركين تتركون ما قتل الله ومع ذلك فلفظها يعم ما تركت التسمية عليه من ذبائح الإسلام وبهذا العموم تعلق ابن عمر وابن سيرين والشعبي وغيرهم فقالوا ما تركت التسمية عليه لم يؤكل عمدا كان أو نسيانا وجمهور العلماء على أنه يوكل أن كان تركها نسيانا بخلاف العمد وقيل يؤكل سواء تركت عمدا أو نسيانا إلا أن يكون مستخفا وقوله تعالى وان الشياطين الآية قال عكرمة هم مردة الانس من مجوس فارس وذلك أنهم كانوا يوالون قريشا على عداوة النبي صلى الله عليه وسلم ليوحون إلى أوليائهم من قريش ليجادلوكم بقولهم تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله فذلك من مخاطبتهم هو الوحي والأولياء هم قريش وقال ابن زيد وعبدالله بن كثير بل الشياطين الجن واللفظة علىوجهها واولياؤهم كفرة قريش ووحيهم بالوسوسة وعلى ألسنة الكهان ثم نهى سبحانه عن طاعتهم بلفظ يتضمن الوعيد وعرض أصعب مثال في أن يشبه المؤمن بالمشرك قال ابن العربي قوله تعالى وان الشياطين يموحون إلى أوليائهم سمى الله تعالى ما يقع في القلوب من الالهام وحيا وهذا مما يطلقه شيوخ المتصوفة وينكره جهال المتوسمين بالعلم ولم يعلموا أن الوحي على ثمانية أقسام وان اطلاقه في جميعها جائز في دين الله انتهى من أحكام القرآن وقوله سبحانه أو من كان ميتا فأحييناه لما تقدم ذكر المؤمنين وذكر الكافرين مثل سبحانه في الطائفتين بأن شبه الذين آمنوا بعد كفرهم بأموات أحيوا هذا معنى قول ابن عباس ومجاهد وغيرهما وشبه الكافرين وحيرة جهلهمم بقوم في ظلمات يترددون فيها ولا يمكنهم الخروج منها ليبين عز وجل الفرق بين الطائفتين والبون بين المنزلتين ونورا أمكن ما يعنى به الإيمان قيل ويحتمل أن يراد به النور الذي يوتاه المؤمن يوم القيامة وجعلنا في هذه الآية بمعنى صيرنا فهي تتعدى إلى مفعولين الأول مجرميها والثاني أكابر وفي الكلام على هذا تقديم وتأخير تقديره وكذلك جعلنا في كل قرية مجرميها أكابر وقدم الأهم إذ لعلة كبرهم أجرموا ويصح أن يكون المفعول الأول أكابر ومجرميها مضاف والمفعول الثاني في قوله في كل قرية وليمكروا نصب بلام الصيروروة والأكابر جمع أكبر كما الأفاضل جمع أفضل قال الفخر وإنما جعل المجرمين أكابر لأنهم لأجل رياستهم أقدر علىالغدر والمكر وركوب الباطل من غيرهم ولأن كثرة المال والجاه يحملان الإنسان على المبالغة في حفظهما وذلك الحفظ لا يتم إلا بجميع الأخلاق الذميمة كالغدر والمكر والكذب والغيبة والنميمة والايمان الكاذبة ولو لم يكن للمال والجاه سوى أن الله تعالى حكم بأنه إنما وصف بهذه الأوصاف الذميمة من كان له مال وجاه لكفى ذلك دليلا على خساسة المال والجاه انتهى وما ذكره في المال والجاه هوالأغلب وما يشعرون أي ما يعلمون وقوله سبحانه وإذا جاءتهم ءاية أي علامة ودليل على صحة الشرع تشططوا وقالوا لن نؤمن حتى يفلق لنا البحر ويحي لنا الموتى ونحو ذلك فرد الله تعالى عليهم بقوله الله أعلم حيث يجعل رسالاته فيمن اصطفاءه وانتخبه لا فيمن كفر وجعل يتشطط علىالله سبحانه قال الفخر قال المفسرون قال الوليد بن المغيرة لو كانت النبوة حقا لكنت أولى بها قال الضحاك أراد كل واحد من هؤلاء الكفرة أن يخص بالوحي والرسالة كما أخبر عنهم سبحانه بل يريد كل امرىء منهم أن يؤتى صحفا منشرة انتهى ثم توعد سبحانه بأن هؤلاء المجرمين الأكابر في الدنيا سيصيبهم عند الله صغار وذلة وقوله سبحانه فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام الآية من شرط ويشرح جواب الشرط والآية نص في أن الله تعالى يريد هدى المؤمن وضلال الكافر وهذا عند جميع أهل السنة بالإرادة القديمة التي هي صفة ذاته تبارك وتعالى والهدى هنا هو خلق الإيمان في القلب وشرح الصدر هو تسهيل الإيمان وتحبيبه وإعداد القلب لقبوله وتحصيله والصدر عبارة عن القلب وفي يشرح ضمير يعود على اسم الله عز وجل يعضده اللفظ والمعنى ولا يحتمل غيره والقول بأنه عائد علىالمهدى قول يتركب عليه مذهب القدرية في خق الأعمال ويجب أن يعتقد ضعفه والحذر منه وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما نزلت هذه الآية قالوا يا رسول الله كيف يشرح الصدر قال إذا نزل النور في القلب انشرح له الصدر وانفس قالوا وهل لذلك علامة يا رسول الله قال نعم الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل الموت والقول في قوله ومن يرد أن يضله كالقول في قوله فمن يرد الله أن يهديه وقرأ حمزة وغيره حرجا بفتح الراء وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأها
पृष्ठ 557