من نشاء الدرجات أصلها في الأجسام ثم تستعمل في المراتب والمنازل المعنوية وقوله سبحانه ووهبنا له إسحاق ويعقوب الآية ووهبنا عطف على آتينا وإسحاق ابنه من سارة ويعقوب هو ابن أسحاق وقوله ومن ذريته المعنى وهدينا من ذريته والضمير في ذريته قال الزجاج جائز أن يعود على إبراهيم ويعترض هذا بذكر لوط عليه السلام إذ ليس هو من ذرية إبراهيم بل هو ابن أخيه وقيل ابن اخته ويتخرج ذلك عند من يرى الخال أبا وقيل يعود الضمير على نوح هذا هو الجيد ونصب داود يحتمل أن يكون بوهبنا ويحتمل أن يكون بهدينا وكذلك نجزي المحسنين وعد من الله عز وجل لمن أحسن في عبادته وترغيب في الإحسان وفي هذه الآية ان عيسى عليه السلام من ذرية نوح أو إبراهيم بحسب الأختلاف في عود الضمير من ذريته وهوابن ابنة وبهذا يستدل في الأحباس على أن ولد البنت من الذرية ويونس هو ابن متى وكلا فضلنا على العالمين معناه عالمي زمانهم وقوله سبحانه ومن آبائهم وذرياتهم المعنى وهدينا من آبائهم وذرياتهم وأخوانهم جماعات فمن للتبعيض والمراد من آمن منهم نبيا كان أو غير نبي واجتبيناهم أي تخيرناهم وهديناهم أي ارشدناهم الى الايمان والفور برضى الله عز وجل والذرية الابناء ويطلق علي جميع البشر ذرية لأنهم ابناء وقوله تعالى ذلك هدى الله الآية ذلك إشارة إلى النعمة في قوله واجتبيناهم وأولئك إشارة إلى من تقدم ذكره والكتاب يراد به الصحف والتوراة والإنجيل والزبور وقوله سبحانه فإن يكفر بها هؤلاء إشارة إلى كفار قريش وإلى كل كافر في ذلك العصر قاله ابن عباس وغيره وقوله فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين هم مؤمنو أهل المدينة قاله ابن عباس وغيره والآية على هذا التأويل وأن كان القصد بنزولها هذين الصنفين فهي تعم الكفرة والمؤمنين إلى يوم القيامة وقال الحسن وغيره المراد بالقوم من تقدم ذكره من الأنبياء والمؤمنين وقال أبو رجاء المراد الملائكة قلت ويحتمل أن يكون المراد الجميع وقوله سبحانه اولائك الذين هدى الله فبهداهم اقتده الظاهر في الإشارة بأولائك إلى المذكورين قبل من الأنبياء ومن معهم من المؤمنين المهديين ومعنى الأقتداء اتباع الأثر في القول والفعل والسيرة وإنما يصح اقتداؤه صلى الله عليه وسلم بجمعيهم في العقود والإيمان والتوحيد الذي ليس بينهم فيه اختلاف وأما أعمال الشرائع فمختلفة وقد قال عز وجل لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا وأعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم هو وغيره مخاطب بشرع من قبله في العقود والإيمان والتوحيد لأنا نجد شرعنا بنبىء أن الكفار الذين كانوا قبل النبي صلى الله عليه وسلم كابويه وغيرهما في النار ولا يدخل الله تعالى أحدا النار إلا بترك ما كلف وذلك في قوله سبحانه وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وغير ذلك وقاعدة المتكلمين أن العقل لا يوجب ولا يكلف وإنما يوجب الشرع فالوجه في هذا أن يقال أن آدم عليه السلام فمن بعده دعا إلى توحيد الله عز وجل دعاء عاما واستمر ذلك على العالم فواجب على الآدمي أن يبحث عن الشرع الآمر بتوحيد الله تعالى وينظر في الأدلة المنصوبة على ذلك بحسب إيجاب الشرع النظر فيها ويؤمن ولا يعبد غير الله فمن فرضناه لم يجد سبيلا إلى العلم بشرع آمر بتوحيد الله وهو مع ذلك لم يكفر ولا عبد صنما بل تخلى فأولائك أهل الفترات الذين أطلق عليهم أهل العلم أنهم في الجنة وهم بمنزلة الأطفال والمجانين ومن قصر في النظر والبحث فعبد صنما أو غيره وكفر فهو تارك للواجب عليه مستوجب للعقاب بالنار فالنبي صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه ومن كان معه من الناس وقبله مخاطبون على ألسنة الأنبياء قبل التوحيد وغير مخاطبين بفروع شرائعهم إذ هي مختلفة وإذ لم يدعهم إليها نبي قال الفخر واحتج العلماء بهذه الاية على أن محمد صلى الله عليه وسلم أفضل من جميع الأنبياء عليهم السلام وتقريره انا بينا أن خصال الكمال وصفات الشرف كانت مفرقة فيهم ثم أنه تعالى لما ذكر الكل أمر محمد صلى الله عليه وسلم أن يجمع من خصال الطاعة والعبودية والأخلاق الحميدة كل الصفات التي كانت مفرقة فيهم بأجمعهم ولما أمره الله تعالى بذلك امتنع أن يقال أنه قصر في تحصيلها فثبت أنه حصلها ومتى كان الأمر كذلك ثبت أنه أجتمع فيه من خصال الخير ما كان فيهم مفرقا بأسرهم ومتى كان الأمر كذلك وجب أن يقال أنه أفضلهم بكليتهم والله أعلم انتهى وقرا حمزة والكسائي فبهداهم اقتدى بحذف الهاء في الوصل واثباتها في الوقف وهذا هو القياس شبيهة بألف الوصل في انها تقطع في الأبتداء وتسقط في الوصل وقوله سبحانه قل لا اسألكم عليه أجرا أي قل لهؤلاء الكفرة المعاندين لا أسألكم على دعائي إياكم بالقرآن إلى عبادة الله تعالى أجرة إن هو إلا موعظة وذكرى ودعاء لجميع العالمين وقوله سبحانه وما قدروا الله حق قدره الآية قال ابن عباس هذه الآية نزلت في بني إسرائيل قال النقاش وهي آية مدنية وقيل المراد رجل مخصوص منهم يقال له مالك بن الضيف قاله ابن جبير وقيل فنحاص قاله السدي وقدروا هو من توفية القدر والمنزلة وتعليله بقولهم ما أنزل الله يقضي بأنهم جهلوا ولم يعرفوا الله حق معرفته إذ أحالوا عليه بعثة الرسل قال الفخر قال ابن عباس ما قدروا الله حق قدره أي ما عظموا الله حق تعظيمه وقال الأخفش ما عرفوه حق معرفته وقال أبو العالية ما وصفوه حق قدرته وعظمته وهذه المعانى كلها صحيحة انتهى وروي أن مالك بن الضيف كان سمينا فجاء يخاصم النبي صلى الله عليه وسلم بزعمه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم انشدك الله الست تقرأ فيما أنزل على موسى أن الله يبغض الحبر السمين فغضب وقال والله ما أنزل الله على بشر من شيء قال الفخر وهذه الآية تدل على أن النكرة في سياق النفي تعم ولو لم تفد العموم لما كان قوله تعالى قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا إبطالا لقولهم ونقضا عليهم انتهى وقوله تعالى قل من أنزل الكتاب يعنى التوراة وقراطيس جمع قرطاس أي بطائق وأوراقا وتوبيخهم بالابداء والاخفاء هو على إخفائهم أمر محمد صلى الله عليه وسلم وجميع ما عليهم فيه حجة وقوله سبحانه وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا ءاباؤكم يحتمل وجهين احدهما أن يقصد به الإمتنان عليهم وعلى ءابائهم والوجه الثاني أن يكون المقصود ذمهم أي وعلمتم أنتم وءاباؤكم ما لم تعلموه فما انتفعتم به لاعراضكم وضلالكم ثم أمره سبحانه بالمبادرة إلى موضع الحجة أي قل الله هو الذي أنزل الكتاب على موسى ثم أمره سبحانه بترك من كفر وأعرض وهذه آية منسوخة بآية القتال أن تؤولت موادعة ويحتمل أن لا يدخلها نسخ إذا جعلت تتضمن تهديدا ووعيدا مجردا من موادعة وقوله سبحانه وهذا كتاب انزلناه مبارك هذا إشارة إلى القرآن وقوله مصدق الذي بين يديه يعنى التوراة والإنجيل لان ما تقدم فهو بين يدي ما تأخر وأم القرى مكة ثم ابتدأ تبارك وتعالى بمدح قوم وصفهم وأخبر عنهم انهم يؤمنون بالآخرة والبعث والنشور ويؤمنون بالقرآن ويصدقون بحقيقته ثم قوى عز وجل مدحهم بأنهم يحافظون على صلاتهم التي هي قاعدة العبادات وأم الطاعات وإذا أنضافت الصلاة إلى ضمير لم تكتب إلا بالالف ولا تكتب في المصحف بواو إلا إذا لم تضف إلا ضمير وقد جاءت وأثار صحيحة في ثواب من حافظ على صلاته وفي فضل المشي إليها ففي سنن أبي داود عن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال بشر المشاءين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة وروي أبو داود أيضا بسنده عن سعيد بن المسيب قال حضر رجلا من الأنصار الموت فقال إني محدثكم حديثا ما أحدثكموه إلا أحتسابا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا توضأ أحدكم فاحسن الوضوء ثم خرج إلى الصلاة لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب الله له حسنة ولم يضع قدمه اليسرى إلا حط الله عنه سيئة فليقرب أو ليبعد فإن أتى المسجد فصلى في جماعة غفر له فإن أتى المسجد وقد صلوا بعضا وبقي بعض صلى ما أدرك وأتم ما بقي كان كذلك فإن أتى المسجد وقد صلوا بعضا وبقي بعض صلى ما أدرك وأتم ما بقي صلى ما ادرك واتم ما بقي كان كذلك فإن اتى المسجد وقد صلوا فأتم الصلاة كان كذلك وأخرج أبو داود عن أبي هريرة قال قال رسول الله ص - من توضأ فأحسن وضوءه ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله عز وجل مثل أجر من صلاها أو حضرها لا ينقص ذلك من أجورهم انتهى وقوله سبحانه ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي الي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله هذه الفاظ عامة فكل من واقع شيئا مما يدخل تحت هذه الألفاظ فهو داخل في الظلم الذي قد عظمه الله تعالى وقال قتادة وغيره المراد بهذه الآيات مسيلمة والأسود العنسي وقال عكرمة أولها في مسيلمة والآخر في عبد الله بن أبي سرح وقيل نزلت في النضر بن الحارث وبالجملة فالآية تتناول من تعرض شيئا من معانيها إلى يوم القيامة كطليحة الأسدي والمختار بن أبي عبيد وسواهما وقوله تعالى ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت الآية جواب لو محذوف تقديره لرأيت عجبا أو هولا ونحو هذا وحذف هذا الجواب ابلغ في نفس السامع والظالمون لفظ عام في أنواع الظلم الذي هو كفر والغمرات جمع غمرة وهي المصيبة المذهلة وهي مشبهة بغمرة الماء والملائكة يريد ملائكة قبض الروح وباسطوا أيديهم كناية عن مدها بالمكروه وهذا المكروه هو لا محالة أوائل العذاب وإماراته قال ابن عباس يضربون وجوههم وأدبارهم وقوله أخرجوا أنفسكم حكاية لما تقوله الملائكة والتقدير يقولون لهم أخرجوا أنفسكم وذلك على جهة الإهانة وإدخال الرعب عليهم ويحتمل أخرجوا أنفسكم من هذه المصائب والمحن إن كان ما زعمتموه حقا في الدنيا وفي ذلك توبيخ وتوقيف على سالف فعلهم القبيح قلت والتأويل الأول هو الصحيح وقد أسند أبو عمر في التمهيد عن ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثم ذكر سنده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الميت تحضره الملائكة فإذا كان الرجل الصالح قالت أخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب أخرجى حميدة وأبشرى بروح وريحان ورب غير غضبان قال فلا تزال يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء فيفتح لها فيقال من هذا فيقولون فلان فيقال مرحبا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب أدخلي حميدة وأبشرى بروح وريحان ورب غير غضبان فلا تزال يقال لها ذلك حتى ينتهى بها إلى السماء يعني السابعة وإذا كان الرجل السوء وحضرته الملائكة عند موته قالت أخرجى أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث أخرجي ذميمة وأبشرى بحميم وغساق وآخر من شكله أزواج فلا تزال يقال لها ذلك حتى تخرج وذكر الحديث انتهى والهون الهوان وقوله تعالى بما كنتم تقولون على الله غير الحق الآية لفظ عام لانواع الكفر ولكنه يظهر منه الأنحاء على من قرب ذكره وقوله سبحانه ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة الآية هذه حكاية عما يقال لهم بعد قبض أرواحهم وأعلم أيها الأخ أن هذه الآية الكريمة ونحوها من الآي وأن كان مساقها في الكفار فللمؤمن الموقن فيها معتبر ومزدجر وقد قيل أن القبر بحر الندامات وقد روى أبن المبارك في رقائقه بسنده عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من أحد يموت إلا ندم قالوا وما ندامته يا رسول الله قال إن كان محسنا ندم أن لا يكون ازداد وان كان مسيئا ندم الا يكون نزع انتهى وكما خلقناكم أول مرة تشبيها بالانفراد الأول في وقت الخلقة وخولناكم معناه أعطيناكم ووراء ظهوركم إشارة إلى الدنيا لأنهم يتركون ذلك موجودا وقوله سبحانه وما نرى معكم شفعاءكم توقيف على الخطا في عبادة الأصنام واعتقادهم أنها تشفع وتقرب إلى الله زلفى قال أبو حيان وما نرى لفظه لفظ المستقبل وهو حكاية حال انتهى وقرأ نافع والكساءي بينكم بالنصب على أنه ظرف والتقدير لقد تقطع الاتصال والارتباط بينكم ونحو هذا وهذا وجه واضح وعليه فسره الناس مجاهد وغيره وقرأ باقي السبعه بينكم بالرفع وقرأ ابن مسعود وغيره لقد تقطع ما بينكم وضل معناه تلف وذهب وما كنتم تزعمون يريد دعواهم أنها تشفع وأنها تشارك الله في الألوهية تعالى الله عن قولهم وقوله سبحانه ان الله فالق الحب والنوى هذا ابتداء تنبيه على العبرة والنظر ويتصل المعنى بما قلبله لأن المقصد أن الله فالق الحب والنوى لا هذه الأصنام قال قتادة وغيره هذه إشارة إلى فعل الله سبحانه في أن يشق جميع الحب عن جميع النبات الذي يكون منه ويشق النوى عن جميع الأشجار الكائنة منه وقوله يخرج الحي من الميت الآية قال ابن عباس وغيره الاشارة الى اخراج الانسان الحي من النطفة الميته وإخراج النطفة المتية من الإنسان الحي وكذلك سائر الحيوان من الطير وغيره وهذا القول أرجح ما قيل هنا وقوله سبحانه ذلكم الله ابتداء وخبر متضمن التنبيه فإنى تؤفكون أي تصرفون وتصدون وفالق الأصباح أي شاقه ومظهره والفلق الصبح وحسبانا جمع حساب أي يجريان بحساب هذا قول ابن عباس وغيره وقال مجاهد في صحيح البخاري المراد بحسبان كحسبان الرحى وهوالدولاب والعود الذي عليه دورانه وقوله سبحانه وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر الآية هذه المخاطبة تعم المؤمنين والكافرين والحجة بها على الكافرين قائمة والعبرة بها للمؤمنين متمكنة وقوله سبحانه وهوالذي أنشأكم من نفس واحدة يريد آدم عليه السلام فمستقر ومستودع اختلف المتأولون في معنى هذا الأستقرار والاستيداع فقال الجمهور مستقر في الحرم ومستودع في ظهور الآباء حتى يقضي الله بخروجهم قال ابن عون مشيت إلى منزل إبراهيم النخعي وهو مريض فقالوا قد توفي فأخبرني بعضهم أن عبد الرحمن أبن الأسود سأله عن مستقر ومستودع فقال مستقر في الرحم ومستودع في الصلب وقال ابن عباس المستقر الأرض والمستودع عندالرحمن وقال ابن جبير المستودع في الصلب والمستقر في الآخرة قال الفخر والمنقول عن ابن عباس في أكثر الروايات أن المستقر هو الأرحام والمستودع الأصلاب ثم قرأ ونقر في الأرحام ما نشاء ومما يدل على قوة هذا القول ان النطفة لا تبقى في صلب الأب زمانا طويلا والجنين في رحم الأم يبقى زمانا طويلا ولما كان المكث في الرحم أكثر مما في صلب الأب كان حمل الاستقرار على المكث في الرحم أولى انتهى قال ع والذي يقتضيه النظر أن ابن آدم هو مستودع في ظهر أبيه وليس بمستقر فيه استقرارا مطلقا لأنه ينتقل لا محالة ثم ينتقل إلى الرحم ثم ينتقل إلى الدنيا ثم ينتقل إلى القبر ثم ينتقل إلى المحشر ثم ينتقل إلى الجنة أو النار فيستقر في أحدهما استقرارا مطلقا وليس فيها مستودع لأنه لا نقلة له بعد وهو في كل رتبة متوسطة بين هذين الطرفين مستقر بالإضافة إلى التي قبلها ومستودع بالإضافة إلى التي بعدها لأن لفظ الوديعة يقتضي فيها نقلة ولا بد وقوله تعالى وهوالذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء السماء في هذا الموضع السحاب وكل ما اظلك فهو سماء وقوله نبات كل شيء قيل معناه مما ينبت وقال الطبري المراد بكل شيء كل ما ينمو من جميع الحيوان والنبات والمعادن وغير ذلك لأن ذلك كله يتغدى وينمو بنزول الماء من السماء والضمير في منه يعود على النبات وفي الثاني يعود على الخضر وخضرا بمعنى أخضر ومنه قوله عليه السلام الدنيا خضرة حلوة بمعنى خضراء وكأن خضرا إنما يأتي ابدا لمعنى النضارة وليس للون فيه مدخل وأخضر إنما تمكنه في اللون وهو في النضارة تجوز وحبا متراكبا يعم جيمع السنابل وما شاكلها كالصنوبر والرمان وغير ذلك وقوله ومن النخل تقديره ونخرج من النخل الطلع أول ما يخرج من النخل في أكمامه وقنوان جمع قنو وهوالعذق بكسر العين وهي الكباسة والعرجون عوده الذي فيه ينتظم التمر ودانية معناه قريبة من التناول قاله ابن عباس وغيره وقرأ الجمهور وجنات بالنصب عطفا على قوله نبات وروي عن عاصم وجنات بالرفع على تقدير ولكم جنات أو نحو هذا والزيتون والرمان بالنصب إجماعا عطفا على قوله حبا ومتشابها وغير متشابه قال قتادة معناه يتشابه في الورق ويتباين في الثمر وقال الطبري جائز أن يتشابه في الثمر ويتباين في الطعم ويحتمل أن يريد يتشابه في الطعم ويتباين في المنظر وهذه الأحوال موجودة بالاعتبار في أنواع الثمرات وقوله سبحانه انظروا هونظر بصر تتركب عليه فكرة قلب والثمر في اللغة جنى الشجر وما يطلع وأن سمي الشجر ثمارا فبتجوز وقرأ جمهور الناس وينعه بفتح الياء وهومصدر ينع يينع إذا نضج وبالنضج فسره ابن عباس وقد يستعمل ينع بمعنى استقل وأخضر ناضرا قال الفخر وقدم سبحانه الزرع لأنه غذاء والثمار فواكه وإنما قدم النخل على الفواكه لأن التمر يجري مجرى الغذاء بالنسبة إلى العرب انتهى وقوله سبحانه وجعلوا لله شركاء الجن جعلوا بمعنى صيروا والجن مفعول وشركاء مفعول ثان قال ص وجعلوا لله شركاء الجن جعلوا بمعنى صيروا والجمهور على نصب الجن فقال ابن عطية وغيره هو مفعول أول لجعلوا وشركاء الثاني وجوزوا فيه أن يكون بدلا من شركاء ولله في موضع المفعول الثاني وشركاء الأول ورده أبو حيان بأن البدل حينئذ لا يصح ان يحل محل المبدل منه إذ لو قلت وجعلوا لله الجن لم يصح وشرط البدل أن يكون على نية تكرار العامل على الأشهر أو معمولا للعامل في المبدل منه على قول وهذا لا يصح كما ذكرنا قلت وفيه نظرا انتهى قلت وما قاله الشيخ أبو حيان عندي ظاهر وفي نظر الصفاقسي نظر وهذه الآية مشيرة إلى العادلين بالله تعالى والقائلين أن الجن تعلم الغيب العابدين للجن وكانت طوائف من العرب تفعل ذلك وتستجير بجن الوادي في اسفارها ونحو هذا وأما الذين خرقوا البنين فاليهود في ذكر عزيز والنصارى في ذكرالمسيح وأما ذاكرو البنات فالعرب الذين قالوا الملائكة بنات الله تعالى الله عن قولهم فكان الضمير في جعلوا وخرقوا لجميع الكفار إذ فعل بعضهم هذا وبعضهم هذا وبنحو هذا فسر السدي وابن زيد وقرأ الجمهور وخلقهم بفتح اللام على معنى وهو خلقهم وفي مصحف ابن مسعود وهو خلقهم والضمير في خلقهم يحتمل العودة على الجاعلين ويحتملها على المجعولين وقرأ السبعة سوى نافع وخرقوا بتخفيف الراء بمعنى اختلقوا وافتروا وقرأ نافع وخرقوا بتشديد الراء على المبالغة وقوله بغير علم نص على قبح تقحم المجهلة وافتراء الباطل على عمى وسبحانه معناه تنزه عن وصفهم الفاسد المستحيل عليه تبارك وتعالى وبديع بمعنى مبدع وأني بمعنى كيف واين فهي استفهام في معنى التوقيف والتقرير وهذه الآية رد على الكفار بقياس الغائب على الشاهد وقوله سبحانه وخلق كل شيء لفظ عام لكل ما يجوز أن يدخل تحته ولا يجوز أن تدخل تحته صفات الله تعالى وكلامه فليس هو عموما مخصصا على ما ذهب إليه قوم لأن العموم المخصص هو أن يتناول العموم شيئا ثم يخرجه التخصيص وهذا لم يتناول قط هذه التي ذكرناها وإنما هذا بمنزلة قول الإنسان قتلت كل فارس وافحمت كل خصم فلم يدخل القائل قط في هذا العموم الظاهر من لفظه وأما قوله وهو بكل شيء عليم فهو عموم على الإطلاق لأنه سبحانه يعلم كل شيء لا رب غيره وباقي الآية بين وقوله سبحانه لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار أجمع أهل السنة على أن الله عز وجل يرى يوم القيامة يراه المؤمنون والوجه أن يبين جواز ذلك عقلا ثم يستند إلى ورود السمع بوقوع ذلك الجائز واختصار تبيين ذلك ان يعتبر بعلمنا بالله عز وجل فمن حيث جاز أن نعلمه لا في مكان ولا متحيزا ولا مقابلا ولم يتعلق علمنا بأكثر من الوجود جاز أن نراه غير مقابل ولا مجاذي ولا مكيفا ولا محددا وكان الإمام أبوعبد الله النحوي يقول مسألة العلم حلقت لحى المعتزلة ثم ورد الشرع بذلك كقوله عز وجل وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة وتعدية النظر بإلى إنما هو في كلام العرب لمعنى الرؤية لا لمعنى الانتظار على ما ذهب إليه المعتزلة ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه وتواتر وكثر نقله أنكم ترون ربكم يوم القيامة كا ترون القمر ليلة البدر ونحوه من الأحاديث الصحيحة على اختلاف ألفاظها واستمحل المعتزلة الرؤية بآراء مجردةوتمسكوا بقوله تعالى لا تدركه الأبصار وانفصال اهل السنة عن تمسكهم بأن الآية مخصوصة في الدنيا ورؤية الآخرة ثابتة بأخبارها وأيضا فانا نفرق بين معنى الإدراك ومعنى الرؤية ونقول أنه عز وجل تراه الأبصار ولا تدركه ودلك أن الادراك يتضمن الإحاطة بالشيء والوصول إلى أعماقه وحوزه من جميع جهاته وذلك كله محال في اوصاف الله عز وجل والرؤية لا تفتقر إلى أن يحيط الرأي بالمرئي ويبلغ غايته وعلى هذا التأويل يترتب العكس في قوله وهو يدرك الأبصار ويحسن معناه ونحو هذا روي عن ابن عباس وقتادة وعطية العوفي انهم فرقوا بين الرؤية والإدراك واللطيف المتلطف في خلقه واختراعه والبصائر جمع بصيرة فكأنه قال قد جاءكم في القرءان والآيات طرائق أبصار الحق والبصيرة للقلب مستعارة من أبصار العين والبصيرة أيضا هي المعتقد وقوله سبحانه فمن أبصر ومن عمي عبارة مستعارة فيمن اهتدى ومن ضل وقوله وما انا عليكم بحفيظ كان في أول الأمر وقبل ظهور الإسلام ثم بعد ذلك كان صلى الله عليه وسلم حفيظا على العالم آخذا لهم بالإسلام أو السيف وقوله سبحانه وكذلك نصرف الآيات أي نرددها ونوضحها وقرأ الجمهور وليقولوا درست بكسر اللام على أنها لام كي وهي على هذا لام الصيرورة أي لما صار أمرهم إلى ذلك وقرأ نافع وغيره درست أي يا محمد درست في الكتب القديمة ما تجيئنا به وقرأ ابن كثير وغيره دارست أي دارست غيرك وناظرته وقرأ ابن عامر درست بإسناد الفعل إلى الآيات كأنهم اشاروا إلى أنها ترددت على أسماعهم حتى بليت في نفوسهم وأمحت واللام في قوله ليقولوا وفي قوله ولنبينه متعلقان بفعل متأخر تقديره صرفناها وذهب بعض الكوفيين إلى أن لا مضمرة بعد أن المقدرة في قوله وليقولوا فتقدير الكلام عندهم ولأن لا يقولوا درست كما اضمروها في قوله يبين الله لكم أن تضلوا قال ع وهذا قلق ولا يجيز البصريون إضمار لا في موضع من المواضع قلت ولكنه حسن جدا من جهة المعنى إذ لا يعلمون أنه درس أو دارس أحدا صلى الله عليه وسلم فتأمله وقوله سبحانه اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو الآية فيها موادعة وهي منسوخة وقوله تعالى ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله الآية مخاطبة للمؤمنين والنبي صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس سببها أن كفار قريش قالوا لأبي طالب إما أن ينتهي محمد وأصحابه عن سب آلهتنا والغض منها وإما أن نسب الهه ونهجوه فنزلت الآية وحكمها على كل حال باق في الأمة فلا يحل لمسلم أن يتعرض إلى ما يؤدي إلى سب الإسلام أو النبي صلى الله عليه وسلم أو الله عز وجل وعبر عن الأصنام بالذين وهي لا تعقل وذلك على معتقد الكفرة فيها وفي هذه الآية ضرب من الموادعة وعدوا مصدر من الإعتداء وبغير علم بيان لمعنى الإعتداء وقوله تعالى كذلك زينا لكل أمة عملهم إشارة إلى ما زين لهؤلاء من التمسك بأصنامهم وتزيين الله عمل الأمم هو ما يخلقه سبحانه في النفوس من المحبة للخير والشر وتزيين الشيطان هو ما يقذفه في النفوس من الوسوسة وخطرات السوء وقوله ثم إلى ربهم مرجعهم الآية تتضمن وعدا جميلا للمحسنين ووعيدا ثقيلا للمسيئين وقوله سبحانه واقسموا بالله جهد ايمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها اللام في قوله لئن لام توطئة للقسم وأما المتلقية للقسم فهي قوله ليؤمنن بها وآية يريد علامة وحكي أن الكفار لما نزلت ان نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت اعناقهم لها خاضعين أقسموا حينئذ انها ان نزلت آمنوا فنزلت هذه الآية وحكي أنهم اقترحوا أن يعود الصفا ذهبا وأقسموا على ذلك فقام النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في ذلك فجاءه جبريل فقال له ان شئت أصبح ذهبا فإن لم يؤمنوا هلكوا عن آخرهم معاجلة كما فعل بالأمم المقترحة إن شئت اخروا حتى يتوب تائبهم فقال عليه الصلاة والسلام بل حتى يتوب تائبهم ونزلت الآية قال ابن العربي قوله جهد ايمانهم يعني غاية ايمانهم التي بلغها علمهم وانتهت إليها قدرتهم انتهى من الأحكام ثم قال تعالى قل لهم يا محمد على جهة الرد والتخطئة إنما الآيات عند الله وليست عندي فتقترح علي ثم قال وما يشعركم قال مجاهد وابن زيد المخاطب بهذا الكفار وقال الفراء وغيره المخاطب بهذا المؤمنون وما يشعركم معناه وما يعلمكم وما يدريكم وقرأ ابن كثير وغيره أنها بكسر الألف على القطع واستيناف الأخبار قرأ تؤمنون بالتاء وهي قراءة ابن عامر وحمزة استقامت له المخاطبة أولا وآخرا للكفار ومن قرأ بالياء وهي قراءة نافع وغيره فيحتمل أن يخاطب أولا وآخرا المؤمنين ويحتمل أن يخاطب بقوله وما يشعركم الكفار ثم يستأنف الأخبار عنهم للمؤمنين وقرا نافع وغيره أنها بفتح الألف فقيل أن لا زائدة في قوله لا يؤمنون كما زيدت في قوله تعالى وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ودعا إلى التزام هذا حفظ المعنى لأنها لو لم تكن زائدة لعاد الكلام عذرا للكفار وفسد المراد بالآية وضعف الزجاج وغيره زيادة لا ومنهم من جعل أنها بمعنى لعلها وحكاه سيبويه عن الخيل وهذا التأويل لا يحتاج معه إلى تقدير زيادة لا وحكى الكسائي أنه كذلك في مصحف أبي وما أدراكم لعلها إذا جاءت ورجح أو علي أن تكون لا زائدة وبسط شواهده في ذلك وقوله سبحانه ونقلب افئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون فالمعنى على ما قالت فرقة ونقلب أفئدتهم وأبصارهم في النار وفي لهبها في الآخرة لما لم يؤمنوا في الدنيا ثم استأنف على هذا ونذرهم في الدنيا في طغيانهم يعمهون وقالت فرقة إنما المراد بالتقليب التحويل عن الحق والهدى والترك في الضلالة والكفر ومعنى الآية أن هؤلاء الذين اقسموا أنهم يؤمنون إن جاءت آية نحن نقلب افئدتهم وأبصارهم أن لو جاءت فلا يؤمنون بها كما لم يؤمنوا
पृष्ठ 551