258

जवाहिर तफसीर

جواهر التفسير

शैलियों

وجعل أبي السعود ما في هذه الآية نظير ما في تلك يعني أنهم كانوا يواجهون نصحاءهم بمثل هذا الجواب استنكارا منهم لدعوتهم إلى الإيمان كما آمن الناس، زاعمين أنهم على ذروة الإيمان، فإذا لم يكن إيمانهم كإيمان الناس الذين بهم الإعتداد، وفيهم الأسوة، فهل إيمانهم كإيمان السفهاء والمجانين الذين لا اعتداد بهم ولا بعقائدهم، وهكذا يوهمون النصحاء الدعاة إلى الإيمان مع انطواء جوابهم على مغزى آخر من مغازي الكلام، وهو لمز المؤمنين بالسفه والطيش، وإلى ذلك كانوا يهدفون.

وقد مر بكم في تفسير الآيتين السالفتين بيان احتمال أن تكون هذه الفلتات من المنافقين بمحضر وحدان المؤمنين دون جماعاتهم بحيث يمكنهم التخلص منهم، ومما يترتب على رفائعهم - لو كشفوا أمرهم للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين - بالمعاذير التي ينتحلونها والأيمان التي يكررونها، وبهذا ينحل كل ما تصوروه من إشكال في هذا التقاول، ويستغنى عما جاء به أبو السعود زاعما أنه الحق الذي لا محيد عنه، وبحسبكم ما ذكرته ثم - من شواهد الآيات الدالة على أن المنافقين كانوا يجهدون في اختلاق المعاذير وانتحال الأكاذيب وإغلاظ الأيمان لأجل درء التهم عنهم وتخلصهم مما ينسبه إليهم المطلعون على أمرهم من المؤمنين - دليلا على صحة كون هذا التقاول بينهم وبين المؤمنين.

هذا وقد عزا الألوسي ما ذكره أبو السعود إلى الشهاب الخفاجي، وذكر أنه ادعى أن ذلك من بنات أفكاره، ورد عليه الألوسي بأن قولهم { أنؤمن } إنكار للفعل في الحال، وقولهم { كمآ آمن السفهآء } بصيغة الماضي صريح في نسبة السفاهة إلى المؤمنين بسبب الإيمان، فلا تورية في خطابهم، ولم ير الألوسي مانعا أن يصدر عن أحد المتحاورين في الخلاء ما هو حري أن يكون في مقام التحاور بينهما.

وإذا تأملتم ما حررته لكم هنا وفيما تقدم كنتم في غنى عن جميع هذه التكلفات.

وأصل السفه عند العرب الرقة والخفة، ولذا يوصف به الثوب الرديء النسج، ومن عادة الخفيف الاضطراب وعدم الاستقرار، ولذا أطلقوا السفه على هذه الحالة كما قال ذو الرمة:

مشين كما اهتزت رماح تسفهت

أعاليها مر الرياح النواسم

وأطلق على الطيش، واضطراب الرأي، وسوء التدبير لما يستلزم ذلك من خفة النفس وعدم استقرار أفكارها، ولذلك وصف القرآن المبذرين للأموال بالسفه لفقدانهم الضبط، ومنه قوله تعالى:

ولا تؤتوا السفهآء أموالكم

[النساء: 5]، وقوله:

अज्ञात पृष्ठ