252

जवाहिर तफसीर

جواهر التفسير

शैलियों

واختلف أهل التفسير في المراد بالافساد هنا، قيل إنه الكفر، رواه ابن جرير عن ابن مسعود وابن عباس وآخرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل هو المعصية، رواه ابن جرير عن الربيع بن أنس، ونسبه الفخر الرازي إلى ابن عباس والحسن وقتادة والسدي، وحكى تقريره عن القفال بأن معصية الله في الأرض إنما كانت فسادا، لأن الشرائع سنن موضوعة بين العباد، فإذا تمسك الخلق بها زال العدوان، ولزم كل أحد شأنه، وحقنت الدماء، وسكنت الفتن، وكان فيه صلاح الأرض وصلاح أهلها، أما إذا تركوا التمسك بالشرائع وأقدم كل أحد على ما يهواه، لزم الهرج والمرج والاضطراب، ولذلك قال تعالى:

فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض

[القتال: 22]، نبههم على أنهم إن أعرضوا عن الطاعة لم يحصلوا إلا على الافساد في الأرض، وقيل هو ما يكون من المنافقين من مداراة للكفرة والاختلاط بهم، لما في ميلولتهم إلى الكفر مع تظاهرهم بالايمان من إيهام بضعف النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وما يترتب عليه من تجرؤ الكفرة على إظهار عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم وإيقاد نار الحرب له وطمعهم في الانتصار عليه، وقيل إنهم كانوا يدعون في السر إلى تكذيبه صلى الله عليه وسلم وجحد الاسلام، وإثارة الشبه حوله.

وذكر المحقق ابن عاشور أن إيقاعهم الفساد ينقسم إلى مراتب:

أولها: إفسادهم أنفسهم بإصرارهم على تلك الأمراض النفسية الناشئة عن النفاق التي سلف ذكرها، وما يتولد منها من مفاسد، ويترتب عليها من مذام.

ثانيها: إفسادهم أولادهم وحواشيهم، لأنهم يقتدون بهم في مساوئهم، وإفسادهم الناس ببث تلك الصفات الذميمة بينهم ودعوتهم إليها، وهذا ما حكى الله عن نوح - عليه السلام - أنه قال:

إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا

[نوح: 27].

ثالثها: إفسادهم مجتمعهم بأفعالهم التي يستشري داؤها في أوساط الناس، كإلقاء النميمة، وإثارة العداوة، وتسعير الفتن، وتأليب الأحزاب على المسلمين، وإحداث العقبات في طريق المصلحين.

والافساد يعم ذلك كله، كما يعم كل ما ينشأ عنه من مضرة في الدين أو الدنيا، كانتشار الجهل، وحصول الانحراف الفكري أو السلوكي، وقتل الأنفس، وغصب الأموال وإتلافها، وانتهاك الأعراض، وهو مما يترتب على أعمال المنافقين من إثارة الأحقاد، وتأليب الأحزاب، وإلقاء الشبه، وإغراء العداوات والبغضاء بين الناس.

अज्ञात पृष्ठ