[الأحزاب: 43]، إنه بهم رحيم، وعدم مجيء " الرحمان بهم " وأكد رأيه بقوله: (فعلمت أن الرحمن هو الموصوف بالرحمة، والرحيم هو الراحم برحمته، وعلى كلا الرأيين فإن اجتماع الوصفين الكريمين يؤدي إلى ما لا يحصل لو أفرد أحدهما بالذكر) وللمفسرين أقوال في { الرحمن الرحيم } غير التي ذكرنا نرى الاستغناء عن ذكرها لعدم اعتضادها بحجة مقبولة.
[1.2]
الحمد والمدح ينتظمهما الاشتقاق الكبير، وهو اتحاد الحروف مع اختلاف ترتيبها ، فالحاء والميم والدال الموجودة في الحمد هى نفسها حروف " المدح " ولكن بترتيب آخر، والزمخشري يقول بتآخيهما، واختلف الذين عنوا بشرح كلامه، هل قصده بالتآخي: اتحاد معناهما أو اتحاد حروفهما مع ما ينتظم الكلمات المتنوعة التي تلتقي بالاشتقاق من معنى لطيف قد يظهر مع التأمل الخاطف، وقد يخفي إلا مع التأمل الطويل؟ فالحمد والمدح كالجذب والجبذ في اتحاد الحروف، ووجود معنى يجمع بينهما، والذين فرقوا بين الحمد والمدح راعوا أن الحمد يكون على الأمور التي للمحمود اختيار فيها، بخلاف المدح، فقد يكون في الأمور الطبيعية كمدح الوجه بالحسن، والقامة بالاعتدال، والدرة بالصفاء، ولا يسمى شيء من ذلك حمدا، وعرفوا الحمد أنه الثناء باللسان على الجميل وقيده بعضهم بكونه اختياريا، ومنهم من زاد على ذلك سواء تعلق بالفضائل أم بالفواضل على أن بعض العلماء يرى أن المدح أيضا لا يكون إلا في الأمور الاختيارية، وإن ورد على غيرها عد من باب المجاز، وتقييد الثناء بكونه على الجميل يخرج الذم فإن الثناء قد يصدق عليه في نحو قولهم (أثنى عليه شرا) وتقييد الجميل بكونه اختياريا يخرج المحاسن الاضطرارية كالتي أشرنا إليها وهي التي تمدح - على رأي بعض - ولا تحمد، وقول بعضهم سواء تعلق بالفضائل أو بالفواضل يقتضي دخول الصفات التي تكون ذات أثر في الغير فيما يحمد عليه فإن الفضائل جمع فضيلة وهي صفة تقوم بنفس الموصوف لا تتعداه إلى غيره، والفواضل جمع فاضلة وهي ما ينتقل أثره إلى الغير، فسجية الكرم فضيلة، والكرم طبيعة قائمة بنفس الكريم لا تنتقل عنه وإنما ينتقل عنه أثرها وهو الإحسان إلى الغير ويعبر عنه بالفاضلة، والشجاعة طبيعة في نفس الشجاع لا تتعداه إلى غيره وإنما يتعدى أثرها عندما تبعث صاحبها على نصرة المظلومين وإغاثة الملهوفين، ويعبر عن هذا الأثر بالفاضلة كذلك، واستشكل هذا التعريف بأنه يمنع دخول صفات الله فيما يحمد عليه وهي من أجل المحامد، وسبب المنع هو قيد الاختياري، وأجاب القطب رحمه الله في (التيسير) بأن هذا القيد يراد به إخراج المحاسن الاضطرارية، فلا يمنع من دخول صفات الله تعالى لأنها وإن لم يجز لنا أن نصفها بأنها اختيارية لما يفهمه هذا الوصف من إمكان تخلي الله تعالى عنها فإنه لا يجوز لنا أيضا أن نقول عنها إنها اضطرارية لما يقتضي ذلك من كون الله سبحانه مضطرا إليها - تعالى الله عن ذلك - ورأي القطب في (الهيميان) أن يستبدل قيد الاختياري بغير الاضطراري لئلا يكون مانعا من دخول صفات الله، ويرى السيد الجرجاني في حاشيته على الكشاف أن كون الصفات مبدأ للاختيارات يزيح المانع من دخولها وتابعه المفسر الشهير أبو السعود حيث قال عن الجميل اختياريا كان أو مبدأ له، وحاصل ذلك أنه لما كانت صفات الله تعالى الذاتية كالحياة والعلم والقدرة والمشيئة سببا لحصول أفعاله الاختيارية كالخلق والإنعام جاز حمده عليها بل وجب ذلك.
واختلف في الحمد والشكر هل هما متحدان؟ أم مختلفان؟ فذهب ابن جرير الطبري وأبو العباس المبرد إلى أنهما بمعنى واحد ونسبه ابن جرير إلى ابن عباس رضي الله عنهما، وحكاه أبو عبد الرحمن السلمي في كتاب " الحقائق " عن جعفر الصادق وابن عطاء قال القرطبي: وليس بمرضي، واستدل له ابن جرير بصحة قولك: الحمد لله شكرا، وتعقبه ابن عطيه بأنه دليل على خلاف ما ذهب إليه لأن قولك شكرا إنما خصصت به الحمد لأنه على نعمة من النعم، وأنكر ابن كثير على سلفه ابن جرير جعل الحمد والشكر بمعنى مستندا في هذا الإنكار على التفرقة التي أوردها المتأخرون بينهما، وتعقبه الشوكاني في (فتح القدير) بأن كلام المتأخرين ليس بحجة على استعمال الكلمات العربية ولا سيما أن ابن جرير قد عضد رأيه بما رواه عن بعض السلف كما عضده بجواز مجيء الشكر مصدرا للحمد، وفي السنه ما يدل على أن الحمد قد يسد مسد الشكر، فقد أخرج ابن جرير عن الحكم بن عمير - وكانت له صحبة - قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
" إذا قلت الحمد لله رب العالمين، فقد شكرت الله فزادك "
وأخرج عبد الرزاق في " المصنف " والحكيم الترمذي في " نوادر الأصول " والخطابي في " الغريب " والبيهقي في " الأدب " والديلمي في " مسند الفردوس " عن عبد الله بن عمرو ابن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبد لم يحمده "
وفيه انقطاع إلى أن الألوسي ذكر أن له شاهدا يتقوى به، وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عبد الرحمن الحلبى قال: الصلاة شكر والصيام وكل خير تفعله شكر وأفضل الشكر الحمد، وأخرج الطبراني في " الأوسط " بسند ضعيف عن النواس بن سمعان قال: سرقت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " لئن ردها الله علي لأشكرن ربي " فرجعت فلما رآها قال: " الحمد لله " فانتظروا هل يحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم صوما أو صلاة فظنوا أنه نسى، فقالوا يا رسول الله قد كنت قلت: " لئن ردها الله علي لأشكرن ربي " قال: " ألم أقل الحمد لله " وإنما كان الحمد رأس الشكر وأفضله لأنه إعلان باللسان عن إنعام المنعم، واللسان أقوى دلالة من غيره، وفيما أوردناه ما يؤكد ما قاله ابن عطية من أن الشكر أعم من الحمد فهو يشمل القول والعمل ويدل لذلك قول الله تعالى:
اعملوا آل داوود شكرا
[سبأ: 13] وقوله سبحانه:
अज्ञात पृष्ठ