فلا يجوز لعبد أن يضع وجهه على الأرض ساجدا إلا لله وحده لا شريك له، لا لملك مقرب، ولا لنبي مرسل ولا لِوَلِيٍّ. ومن ذلك الذبح: فلا يجوز لأحد أن يذبح إلا لله وحده، كما قرن الله بينهما في القرآن في قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ﴾ ١ والنسك هو: الذبح، وقال: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ ٢؛ فتفطن لهذا.
واعلم أن مَن ذبح لغير الله من جني أو قبر، فهو كما لو سجد له. وقد لعنه رسول الله ﷺ في الحديث الصحيح قال: "لعن الله من ذبح لغير الله" ٣.
ومن أنواع العبادة: الدعاء: كما كان المؤمنون يدعون الله ليلا ونهارا في الشدة والرخاء وحده، لا يشك أحد أن هذا من أنواع العبادة٤.
فتفكر -رحمك الله- أنه فيما حَدَثَ في الناس اليوم من دعاء غير الله في الشدة والرخاء: هذا يريد سفرا فيأتي عند قبر أو غيره، فيدخل عليه بماله على من يَنْهَبه. وهذا تلحقه الشدة في البر أو البحر فيستغيث بعبد القادر أو السمان أو بنبي من الأنبياء أو ولي من الأولياء، أن ينجيه من هذه الشدة.
فيقال لهذا الجاهل: إن كنت تعرف أن الإله هو: المعبود، وتعرف أن الدعاء من العبادة؛ فكيف تدعو مخلوقا ميتا عاجزا وتترك الحي القيوم، الرؤوف الرحيم القدير؟ فيقول هذا المشرك: إن الأمر بيد الله، ولكن هذا العبد الصالح يشفع لي عند الله وتنفعني شفاعته وجاهه، ويظن أن ذلك يسلمه من الشرك.
_________
١ سورة الأنعام آية: ١٦٢.
٢ سورة الكوثر آية: ٢.
٣ مسلم: الأضاحي (١٩٧٨)، والنسائي: الضحايا (٤٤٢٢)، وأحمد (١/١٠٨،١/١١٨،١/١٥٢) .
٤ وهو أعلى الأنواع، وأدلها على الإيمان الصحيح والتوحيد الخالص، فالسجود إنما كان عبادة بحكم الشرع، وقد كان عادة في التحية من قبل، ومنه سجود يعقوب وأولاده لولده يوسف ﵈. وأما الدعاء فهو: ركن العبادة الأعظم بمقتضى الفطرة، وفي دين الله على ألسنة جميع الأمم، ولذلك قال (ص): "الدعاء هو العبادة" رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن الأربعة وغيرهم من حديث النعمان بن بشير وأبو يعلى من حديث البراء؛ وفي معناه: "الدعاء مخ العبادة" رواه الترمذي من حديث أنس.
1 / 17