ـ[الجرح والتعديل]ـ تأليف الأستاذ العالم العامل البحاثة عالم الشام الشيخ جمال الدين القاسمي الدمشقي مؤسسة الرسالة عدد الأجزاء: ١. أَعَدَّهُ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / توفيق بن محمد القريشي، - غَفَرَ اللهُ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ -. [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي].

अज्ञात पृष्ठ

طبعة سنة ١٣٩٩ هـ - ١٩٧٩ م مؤسسة الرسالة - بيروت شارع سوريا بناية صمدي وصالحة

1 / 2

الجرح والتعديل للشيخ جمال الدين القاسمي هذا بحث جليل، ومطلب خطير، طالما جال في النفس التفرغ لكتابة شيء فيه يكون لباب اللباب في هذا الباب الذي اختلف فيه الناس، لما غلب التعصب على النفوس ونبذوا مشرب كبار المُحَدِّثِينَ رواة السُنَّة، وهداة الأمة، حتى سنحت لي فرصة كتبت فيها ترجمة حافلة للإمام البخاري جعلتها مفصَّلة بتراجم منوعة كان منها (تخريج البخاري عمَّن رُمي بالابتداع) وهم الذين أُسَمِّيهُمْ (المبدّعين) (١) ذكرت ثمة ما يناسب تأليف الترجمة، ثم رأيت أن المقام _________ (١) بتشديد الدال المفتوحة أي المنسوبين للبدعة وإنما آثرنا هذا على تسمية الأكثرين لهم بالمبتدعين لأني لا أرى أنهم تعمَّدُوا البدعة لأنهم مجتهدون يبحثون عن الحق فلو أخطأوه بعد بذل الجهد كانوا مأجورين غير ملومين فلا يليق تسميتهم مبتدعة بل مُبدَّعة كما سيمر بك البرهان عليه.

1 / 3

يستدعي زيادة بسط وإسهاب، ودرأ شبهٍ واحتمالات أوردها بعض الفقهاء خالف فيها الحقيقة، فخشيت أن يطول بإيرادها - في ترجمة البخاري - الكلام، ويشبه الخروج عن الموضوع فأفردت تتمة هذا البحث في مقالة خاصة تحيط به من أطرافه، وترده على أنحائه وهذا البحث من جملة المباحث العلمية التي نسيها الخلف أو أضاعوها، ولا غرو أن يذهل عن الغايات من يقصر في البدايات، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ١ - مَنْشَأُ النَّبْزِ بِالابْتِدَاعِ: من المعروف في سنن الاجتماع أن كل طائفة قوي شأنها وكثر سوادها، لا بد أن يوجد فيها الأصيل والدخيل، والمعتدل والمتطرف، والغالي والمتسامح، وقد وجد بالاستقراء أن صوت الغالي أقوى صدى وأعظم استجابة؛ لأن التوسط منزلة الاعتدال، ومن يحرص عليه قليل في كل عصر ومصر، وأما الغلو فمشرب الأكثر، ورغيبة السواد الأعظم، وعليه درجت طوائف الفرق والنحل، فحاولت الاستئثار بالذكرى، والتفرد بالدعوى، ولم تجد سبيلًا لاستتباع الناس لها إلا الغلو بنفسها، وذلك بالحط من غيرها، والإيقاع بسواها، حسب ما تسنح لها الفرص، وتساعدها الأقدار، إن كان بالسنان، أو اللسان. وأول من فتح هذا الباب - باب الغلو في إطالة اللسان

1 / 4

بالمخالفين - الخوارج فأتى قادتهم عامَّتهم من باب التكفير، لتستحكم النفرة من غيرهم، وتقوى رابطة عامَّتهم بهم، ثم سَرى هذا الداء إلى غيرهم، وأصبحت غلاة كل فرقة تكفِّر غيرها وتفسقه أو تبدعه أو تضلله لذاك المعنى نفسه، حتى قيض الله تعالى من الأئمة من قام في وجه أولئك الغلاة، وزيَّف رأيهم، وعرف لخيار كل فرقة قدرهم، وأقام لكل منهم ميزان أمثالهم. ٢ - مَنْ شَهَّرَ الرِّوَايَةَ عَنْ المُبَدَّعِينَ، وَقَاعِدَةُ المُحَقِّقِينَ فِي ذَلِكَ: كان من أعظم من صدع بالرواية عنهم الإمام البخاري ﵁، وجزاه عن الإسلام والمسلمين أحسن الجزاء، فَخَرَّجَ عن كل عالم صدوق ثبت من أي فرقة كان، حتى ولو كان داعية، كعمران بن حطان وداود بن الحصين. وملأ مسلم " صحيحه " من الرُواة الشيعة (١) فكان الشيخان عليهما الرحمة والرضوان بعملهما هذا قدوة الإنصاف وأسوة الحق الذي يجب الجري عليه، لأنَّ مجتهدي كل فرقة من فرق الإسلام مأجورون أصابوا أو أخطأوا بنص الحديث النبوي. ثم تبع الشيخين على هذا المُحققون من بعدهما حتى قال شيخ _________ (١) راجع " شرح تقريب النووي ": ص ١١٩.

1 / 5