1
مولد النبوي الشريف صلى الله عليه وآله
صدق الله العلي العظيم حيث يقول : ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون . (1)
في هذا الشهر المبارك شهر ربيع الاول الذي قد يطلق عليه شهر النور وشهر المولود المبارك لاتفاق المسلمين على أن أيامه نزلت الرحمة من السماء الى الارض. وأنبثق النور الالهي من الملاء الاعلى ، أشرقت الدنيا كلها بنور ربها ، وجاء عن رب العالمين سيد الانبياء والمرسلين بشيرا ونذيرا ، وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا ، وعلى سطح هذه الكرة حففة تزعم أنها من البشر وليست هي من البشر ، وتسمى أنفسها بالمسلمين وما هي من المسلمين ، تقيم الاحتفالات وتضع المهرجانات تكريما وتعظيما لهذا المولود المبارك الذي تقول : انه نبي الرحمة ، وان الله أخرجنا به من الظلمات الى النور ، فيجب اظهار الفرح والسرور واعادة تلك الذكريات العلية الطيبة.
पृष्ठ 11
نعم يحتفل المسلمون بعيد مولد نبيهم الاعظم في هذا الشهر ، ولم يكن شيء من هذه الاحتفالات في القرون الاولى يوم كان الاسلام في أوج عزه وبرج رفعته وعظمته ، يوم كان المسلمون يعرفون حق المعرفة معنى الاحتفال الصحيح لمولد نبيهم صلى الله عليه وآله .
الاحتفال الصحيح الذي يبتهج به النبي صلى الله عليه وآله ويسره هو الاخذ بتعاليمه واتباع سنته والعمل بقرآنه ، الاحتفال الصحيح أن يكون المسلم مسلما حقيقة ومعنى لاصورة ولفظا ، وقد جعل سلام الله عليه للمسلم علامات كثيرة أقلها وأولها وأن يهتم المسلم بأمور المسلمين حيث قال : من لم يهتم بأمور المسلمين فليس من الاسلام بشيء وعلى ضوء هذه القاعدة يجب أن نمتحن أنفسنا ونضع في الميزان اسلامنا ، ها هم اليهود في كل شهر أو كل يوم ، تشن الغارة على قرية من قرى المسلمين في فلسطين تقذفهم بالقنابل الجهنمية ، وتنسفها نسفا وتذرها قاعا صفصفا ، وتهلك تحت انقاضها ومبانيها جميع من فيها ، يضعون بالمسلمين ما لم يضعه حتى فرعون مع آبائهم بني اسرائيل ، فانه كان يذبح أبنائهم ويستحيى نسائهم ، أما بنوا اسرائيل اليوم فيذبحون بالنار والحديد الرجال والنساء والاطفال ، وتتكرر هذه العملية منهم في كل سنة عدة مرات وهم بين سمع المسلمين وبصرهم وبين سبع دول كل واحدة تزعم أنها مسلمة ، وهي مشغولة بنفسها لا يهمها من امر اولئك المساكين مقدار بعوضة ، وهكذا الحال مع المسلمين في المغرب العربي وما تعانى تونس ، ومراكش ، والجزائر ، من فرنسا من الشنق والحرق والاعدام لأولئك الاحرار الكرام ، واعطف بنظرك ثانيا او ثالثا الى الحميات التسع وعدن واسمع ان كنت ذاسمع وبصر ما يصنعه الاستعمار الجبار في مسلمي تلك الديار من الاستيصال والدمار ، يقولون : ان عدد المسلمين أجمع على أقل تقدير [ مليار و] أربعمأة مليون ، فلو أن الربع من هؤلاء كانوا مسلمين حقا.
पृष्ठ 12
وكان فيهم أقل علامات المسلم وهى الاهتمام بأمر اخوانهم المسلمين لانقذوهم من تلك المهالك ، ولو أن ما ينفقه المسلمون في هذه الاحتفالات من الاموال ، وما يبذلونه في المواليد من مصر وغيرها ليس في مولد النبي صلى الله عليه وآله فحسب بل في مواليد مشايخ الطرق : كالبدري ، والاحمدي ، والدسوقي ، وأمثالهم وما يتفاخرون به من البذخ في السرادق والاضوية الكهربائية والمشروبات الكحولية وغيرها لو تجمع هذه الاموال وترسل الى المشردين من عرب فلسطين فتحفظ ما بقى من رمق حياتهم التي اصبحت رهن وطأة الزمهرير والمطر الغزير ، وتمدهم بالسلاح والعتاد وتحفزهم الى الجهاد ، أما كان خيرا للمسلمين من تلك الاعمال التي ما كان المسلمون يعرفون شيئا في العصور الاولى ؟ وما تأخر المسلمون واندحروا وذلوا الا من العصر الذي شاعت وانتشرت فيه هذه المحدثات التي أماتت العزائم وسلبت من المسلمين كل الحمية والغيرة ، ولو ان ما يبذله العرب بل عموم المسلمين كل ليلة على الملاهي وفي المقاهي والخمور والفجور والمقامرات يجمعونه لانقاذ فلسطين عوض أن تتسرب تلك الاموال الى جيوب الاجانب والمستعمرين فتعود وبالا علينا وسلاحا للفتك بنا ولو أن الحكومات العربية بل الدول الاسلامية منعت رعاياها من صرف الاموال في تلك الموبقات ، وأنفقتها في تلك المهمات لحازت الوزن الثقيل بين الامم وسعدت هي ورعاياها.
وأشهد بالله شهادة حق لو كان عند المسلمين ذرة من الغيرة والاسلام بمعناه الصحيح لما صبروا وتطامنوا لهذا الذل والصغار وتحمل الخزي والعار ، ولما أبقوا على وجه الارض مهيونيا بذكر ، نعم وما أصدق قوله عليها السلام : «
** ما كره قوم طعم الموت الا ذلوا
الحكومات العربية ، فهي أصل الداء ، ويجب أن يكون منها الدواء ، ولكني أخشى
पृष्ठ 13
أن تأتي هنا كلمة اميرالمؤمنين عليه السلام لاهل العراق عموما او لاهل الكوفة خصوصا حيث يقول لهم : «
** أريد أن أتداوى بكم أنتم دائي كناقش الشوكة بالشوكة وضلعها معها
المنهارة تارة وبالفيران السبع أخرى ؛ وامامها ( هر ) يريد أن يبتلعها ، فاذا لم يحفزها كل هذا التحدي الى الوثبة وتعجيل الضربة ، وتمادت على المماطلة والتسويف كرامة لسواد عيون أسيادهم ذوي العيون الزرقاء ، نعم اذا تمادوا في حبال هذا الوبال كان لزاما على الشعوب العربية أن تنهض وتشق الطريق بنفسها لتأخذ ثارها وتغسل عارها ، فاما موتة حر شريفة او حياة نظيفة :
فاما حياة تبعث الشرق ناهضا
وبعد ذلك يحسن منها أن تقيم الاحتفال بالمواليد النبوية والاعياد الاسلامية ، أما في هذه الحال فحق عليهم اقامة المآتم ، ولبس الحداد والمآتم ، ولاشك أن رسول الله صلى الله عليه وآله يطل عليكم أيها الناس من سماء عليائه ساخطا عليكم في هذه الاحتفالات والزائقة التي ما هي الا لهو ولعب ، وتيقنوا أنكم اذا تتداركوا هذا السيل الجارف من البلاء فلاشك ان مصيركم جميعا الى الفناء ، ولايبقى للعرب ذكر الا في التاريخ الاسود لاغير ، وتصح فيكم الاية التي افتتحنا بها كلمتنا هذه : ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون ، هذا هو الاحتفال الصحيح لعيد المولود النبوى صلى الله عليه وآله
पृष्ठ 14
** مولد النبي الكريم وبعثته
في أخريات القرن السادس من ميلاد المسيح عليه السلام كانت الارض ثؤرة فساد وضلالة ؛ وحمأة طيش وجهالة ؛ من بغى عدوان وعبادة أوثان وحروب طاحنة ؛ وأحقاد ملتهبة وغارات متواصلة ، ليس في ظلمتها المتراكم بعضها على بعض بصيص من نور هدى ولابارقة أمل في سداد.
لاجرم أن الانسانية بروحها الطاهرة ونفسها المجردة عن سلطان الهوى والشهوات كانت تعج وتضج الى بارئها أن يبربها ويبرئها ويعطف عليها فيبعث لها من يبلسم (2) جراحها ، ويصف بها صلاحها ويدلها على سعادتها الدائمة وحياتها الخالدة ؛ ويحكم فيها سلطان العدل والعقل فيصلح الفاسد من كل نواحيها ، ولاريب أن الرب جل شأنه ما خلق الانسانية ليرمى بها في تيار من الشقاء تتقاذف بها أمواجه ، وتترامى بها أعاصيره طول الابد ، بل خلقها للنعيم والسعادة ، وللهناء والرحمة ونعمة الخلود في الابدية هنالك حيث الحرة (3) السوداء والجبال الجرداء والحجارة الخشناء والعرصات القاحلة والرمال الملتهبة ، هناك حيث لازرع ولاضلوع ولاشجراء ولانضراء ، هناك بين أطواد تهامة وجبال فاران وربوات حوريث وساعير ، هناك من جوامع الجبروت وصوامع الملكوت
पृष्ठ 15
وغيب الغيوب وسر الهوية الاحدية وأعماق الابدية وأمواج العناية الازلية ، هناك فى غسق الليالى المدلهمة وحنادس الجهل والجاهلية هناك في الوسط الذي أماته الجهل وأعياه الهوى وسخره سلطان الشهوات واستحكمت فيه غرائز الرذيلة.
هناك انبثق بركان (1) من النور الالهي والقبس الربوبي فبزغت أنوار شمس المحمدية صلى الله عليه وآله وهبت في الاكوان نسمات البشرى بحامل مشعل السعادة الابدية.
ها ان محمدا صلى الله عليه وآله ( ولذكره المجد والشرف ) قد وجد وولد ونمى ونشأ يمثل روح الاخلاق الفاضلة في ابان صباه ، وريعان شبيبته وفي جميع أطواره وأدواره منيعا وديعا ، أمينا ورزينا ، عفيفا شريفا ، فكورا وقورا ، قوي الارادة عظيم الهمة ، فحل العزيمة ، دقيق الاحساس رقيق العواطف ، رحيم القلب حليم النفس ، جميل الصورة حسن السيرة ، مغناطيس النفوس محبوب القلوب ما كذب قط ولاخان ولامان ، ولامكر ولاغدر ، ولاسجد لصنم ولا انثنى لوثن كل ذلك وما اليها من السجايا الغالية والمزايا الباهرة والمعارف السامية كانت طباعا لاتطبعا ومواهب لامكاسب ، من غير معلم ولامرشد ، ولامرب ولامدرب ، ولامدرسة ولامدرس ، ولامطالعة كتب ولامراجعة صحف وكانه قبل أن يتجاوز شعوب مكة قد عرف كل الشعوب وخبر أحوال الامم وسبر طبقات البشر. ودرس نفسيات الخلائق وقلبها بحثا وعلما فعلم ما هي ادواء البشرية وما عللها وامراضها ، وما هو دوائها وعلاجها وما هو السبيل الى رحمة تلك الانسانية المعذبة وتخليصها من قديم شقائها ومزمن دائها.
ثم ان محمدا ( خلد الله شريعته وأعلى كلمته ) عند ما بلغ أشده واستوى جده وشاع في أحياء العرب اريج ذكره ، واستبحر في الارض خليج فخره ، وبدا
पृष्ठ 16
للحاضر والبادى عظيم شأنه ورفيع شأوه ، ووقف قومه على منيع مقامه وبازخ أعلامه حتى اذا قرب من الاربعين طفق يطلب الخلوة لنفسه ويعتزل عن أبناء جنسه وصار يترهب تلك الرهبانية الصحيحة التي لا تحجف بواجب شيء من النفس او البدن ، بل تعطى كلا من تكميل قسطه وتوفى بحسبه شرطه ، وتستوفى حظوظها منه على مدرجة الصواب وأحسن الانتخاب والاستقامة على حد المركز والموسط والاعتدال بين الاطراف من غير ميل ولا انحراف ، وهذه اول ترشيحة الوحي وترشحة للنبوة ، وتأهل للبعثة وتسديد من الغيب فجعل ينقطع ويتجرد ويروح الى معلمه الروح المجرد (1) ويقيم خارج البلد في شعب ( حراء ) يتحرى مهب نفحات العناية من بين وارداته القلبية ، ويترقب خلع التشريف والكرامة من متحف الربوبية ويطامع اسرار الملك والملكوت مما رقمه قلم الازل على صحيفة نفسه القدسية ، ويتأهب للهبة بما تفرسه حدسه وحدسته نفسه ، وتقدمت له دلائله ، وهتفت فيه بشائره ، من تشريفه بتلك المنزلة الشريفة ، وتعينه لهاتيك الوظيفة ، بعثه بتلك المصلحة العامة ، والمسألة الهامة البالغة أقصى مبالغ الصعوبة والحاجة والكلفة والمشقة ودفعه الى تقحم ذلك المأزق المتلاحم والتهجم على
पृष्ठ 17
غيوم ذلك البلاء المتراكم ، ولكن « على قدر اهل العزم تأتى العزائم » وعند العظم تصغر العظائم، فأول ما كان له من طلائع النبوة وقدامى الحي والبعثة وقوع الرؤيا الصادقة منه التي تجيء كفلق الصبح له ، (1) ثم تعقب ذلك سماع الصوت دون معاينة الشخص قائلا له غير مرة :
** يا محمد انك رسول الله
المشتبك بالغرابة حال يقصر أبلغ يراع بليغ عن تصويرها ، ويكل لسان كل مثيل عن تمثيلها ، وكان لتلك الحال روعة تدفع لجسمه الشريف مثل الهزة والفزة (2) ويصيبه الافكل والرعدةكدأب المبتهج المستبشر.
نعم ثم تدرج الوحي اليه على مقتضيات الحكمة ، اذ التعاليم ثمة وان كانت اللآهية ولكن لها على قداستها وجهة بشرية ، فلاجرم ترد متدرجة حسب القوابل ومقتضيات الاساليب والعوامل ، فتجلى له الملاك بالوحى المبين ، والكلام الصادر بألفاظه ومعانيه ، ومقاصده ومبانيه من مصدر الناحية الربوبية والمعمل الالهي والعلم غير المتناهى ، قائلا له وهي أول سورة نزلت عليه من ذلك الكتاب المقدس والطراز الانفس اقرأ باسم الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم ) (3) فقرأها وانصرف عنه ،
पृष्ठ 18
ثم جائه بعدها بسورة الفاتحة ، ثم انقطع الوحي زمانا ولكن ارفاقا بهو اشفاقا عليه ، فما أحسبك الا خبيرا بأن قوى البشرية والاخلاط العنصرية وكل ما عملته او عملت فيه الطبيعة والمادة يضعف ويكل ويتأثر وينفعل عند هجوم مافوق الطبيعة عليها من مشاهدة تلك الارواح المقدسة ، والانوار القاهرة التي هي من عالم الملكوت وصقع الجبروت ، وهذا أمر ضروري محسوس في كيان الطبيعة وبيئة المادة وخلية العناصر ، فانك لو حبست طفلا في مختبأ من الارض حتى اكتملت فطرته وتم تمييزه وعقله. ثم اخرجته فجأة الى هذا العالم المحسوس فوقع بصره دفعة على شموسه المتألقة ، وأجوائه المتسعه ؛ وأشجاره المتسقة ، وأنهاره المتدفقة الى غير ذلك من غرائب الصنع وعجائب الابداع لما شككت أنه ينشق قلبه وينذهل له ، ويأخذه مثل الادوار والدهشة والانبهار والهزة والرعدة ، وتأتى الصدمة على عقله ، والصككة (1) على جسمه والضغطة على فؤاده وقلبه ، ولاشك أن عالم الغيب من عالم الشهادة على تلك النسبة بل وبأضعافها المتضاعفة فما ظنك بهذا الجسد البشري المؤلف من تلك المواد العنصرية السريع الانحلال والانفعال الضعيف التأليف ؛ وزد عليه الملاك من العوالم الملكوتية ، او تحل لمن له قبس من سذق (2) الهياكل الجبروتية ، كيف لاتتلاشى عناصره وتتفرق أجزائه وتثور الى الاثير دقائقه الا بماسك من يد القدرة التي لاتغلب والقوة التي لاتعجز عن شيء ولاتنكب.
ألا فبعين عناية الله جسد محمد صلى الله عليه وآله « ألا فسلام الله على جسمه المقدس وروحه المجرد » ألا لا جرم لو عرضته عند نزول الوحي عليه تلك الهزة والفزة ولاغر ولو اتقدت الحرارة الغريزة في تامور صدره حتى يتغير لها وجهه ويضطرب
पृष्ठ 19
بدنه ، وتنتقل الرطوبات الداخلية وتترشح على سطح بشرته فيتجلله العرق ويأخذه شبه الحياء والفرق ؛ (1) ثم اذا سرى عنه سكنت الحرارة ، وقبل الجسم الهواء اللطيف من خارج فيبرد المزاج وتأخذه مثل القشعريرة والنفضة الباردة ؛ لمباغتة البرودة للحرارة دفاعا ، فيأتى الى مرقده الشريف ويقول : زملوني او دثروني ، فترد عليه ثيابه ، وتجمع فوقه غطائه ليتسخن ويستريح ويأمن ، ففي احدى ضجعاته ما أهاب به الوحي قائلا : يا أيها المدثر * قم فأنذر * وربك فكبر * وثيابك فطهر * والرجز فاهجر * ولا تمنن تستكثر (2)
पृष्ठ 20
2
هل كان النبي محمد صلى الله عليه وآله أميا ؟
** منا يؤيد أن نبينا المحبوب محمد
** ليس بأمي وانما يقرء ويكتب بلغات كثيرة. بينما ان الآخر يؤيد
انه صلوات الله عليه وأمي لايعرف من القرائة والكتابة شيئا مذكورا عليه.
** الجواب :
ان كلا منكما قد وصل الى طرف من الحقيقة وأصاب جانبا من الصواب ، أما القائل ان النبي صلى الله عليه وآله كان أميا فقد أصاب ولكن بمعنى انه ماكان يقرأ ويكتب لا أنه لايعرف القرائة والكتابة وكونه أميا بهذا المعنى ، أي عدم تعاطيه للقرائة والكتابة عليه اجماع المسلمين ومنصوص عليه في القرآن الكريم بقوله تعالى : وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون (1) ولكن لم يثبت من
पृष्ठ 21
الاجماع ولا من الكتاب انه لم يكن يعرف الكتابة والقرائة بحيث يكون فاقدا لهذا الكمال ، ومن هنا تبين أن الاول منكما الذي يقول انه ليس بأمي ان أراد انه يعرفها فهو مصيب ، وان أراد انه كتب وقرأ فهو مخطىء ومخالف لنص الآية المتقدمة.
والخلاصة ان النبي صلى الله عليه وآله كان حائزا لكمال الكتابة والقرائة من حيث الملكة والقدرة لان النبي صلى الله عليه وآله يلزم أن يكون متصفا لجميع صفات الكمالات بل يلزم ان يكون أكمل أهل زمانه ، ولا ريب ان الكتابة والقرائة كمال وفقد هما نقص ، ولكن مصلحة التبليغ ورعاية الاعجاز في محيطه وزمانه اقتضت حسب الحكمة ان لا يتعاطاهما تكميلا للمعجزة ، وهذه هي الحقيقة الناصعة.
هذا مختصر الجواب الذي سبق منا من عهد بعيد ، اما الان فعندنا جواب لعله أحق وأدق وأولى بالقبول وهو ان الكمالات والبشرية جسمانية او روحية انما هي بالنسبة الى غاياتها تكون نقصا او كمالا ، وتوضيح ذلك ان البصر مثلا انما هو كمال النظر الى حصور الغاية التي ترتبت عليه وهي رؤية الاشياء والعمى نقص النظر الى عدم حصول الرؤية فيه ، فلو أن شخصا يرى الاشياء من دون حاجة الى
पृष्ठ 22
العين ، فهل عدم العين نقص فيه في حال انه يرى الاشياء أحسن مما يراه صاحب العين ، فالقرائة والكتابة كما لهما بالنظر الى معرفة الاشياء والاطلاع على مقاصد الغير او ابلاغ مقاصده الى الغير ، فلو ان شخصا يعرف مقاصد الناس من دون أن ينظر الى كتبهم ورسائلهم ويستطيع أن يبلغ مقاصده الى الناس من غير حاجة إلى الكتابة ، فهل هذا نقص فيه او هو كمال بل هو فوق الكمال ؟ وهذه هي صفة النبي صلى الله عليه وآله في أميته ، وهذا جواب مبتكر لم يسبق اليه أحد وهو عين الحقيقة والواقع هذا.
पृष्ठ 23
3
هل القرآن أفضل من محمد صلى الله عليه وآله أم محمد أفضل ؟
** هل القرآن أفضل من محمد
** أم محمد أفضل من القرآن ، وكيف ذلك ! واذا كان محمد أفضل من
القرآن فهل أن عليا
** أفضل من القرآن ؟ وما هو الدليل على ذلك ؟
** الجواب
بمقتضى الحديث المشهور والمتفق عليه عند الفريقين وهو قال النبي صلى الله عليه وآله : «
** اني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي اهل بيتي لن يفترقا
حتى يردا علي الحوض
الناطق والقرآن هو الكتاب الصامت وكل منهما محتاج الى الاخر ، فالامام يفسر القرآن ويوضح ما أشكل منه ، فالقرآن محتاج الى الامام والامام محتاج الى القرآن ، لأنه يشتمل على أحكام الله ونواميسه وشرائعه ، فكل منهما محتاج الى الاخر ، والنبي صلى الله عليه وآله وعلي صلوات الله عليهما نور واحد وما يجرى لاحدهما يجرى على الاخر عدا النبوة. واعلم أن السؤال عن الأفضلية عنا هو من مقام الفضول ،
पृष्ठ 25
لا يجوز عند ذوى العقول ، ولا يسأل العبد عنها يوم القيامة ، وما كلفنا الله سبحانه وتعالى بها ولا يعاقبنا على عدم معرفتها (1) وانما كلفنا العبادات : الصلاة ، والصوم وغيرهما ، وهي التي يعاقبنا على الجهل بها ، وهي التي يلزمك أن تسأل عن أحكامها وفروعها فاللازم عليك ان لا تسأل عن مثل تلك الأسألة التي لافائدة فيها ولاطائل تحتها ؛ اذا سئلت فقل لكل فضل ، وعلم الافضلية عند الله ، وهذه من أحسن النصائح ، ولم يثبت هذا من قول النبي صلى الله عليه وآله سل عن امور دينك الخ وهذه الاسألة ليست من أمور الدين ولامن فروعه.
पृष्ठ 26
4
ما معنى قول النبي صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام اذا فاضت نفسي ؟
ورد في الحديث عن النبي عليه السلام قال : يا على اذا فاضت نفسي (1) فتناولها بيدك
पृष्ठ 27
وامسح بها وجهك ، فالى أي نفس كان يشير ؟.
** الجواب
فاعلم أنه قد ورد في الاخبار المعتبرة أن كميلا وهو من خواص أصحاب أمير المؤمنين سلام الله عليه قال : سيدي أريد أن تعرفني نفسي فقال : يا كميل من أي نفس تسأل ؟ فقال : يا مولاى وهل هي إلا نفس واحدة ؟ فقال يا كميل انما هي أربع : النامية النباتية ، والحسية الحيوانية والناطقة القدسية (1) والالهية الملكوتية (2) ثم ذكر له خواص كل نفس في بيان وافي ، ولا ريب أن لكل واحدة من هذه النفوس مراتب ودرجات ، وأن النباتية والحيوانية تضمحل وتفنى بموت الانسان وانما يبقى الناطقة القدسية الموجودة في عامة البشر ، وادناها ما يقارب نفس البهائم : إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ، (3) وأعلاها روح القدس المتصلة بمبدأها الاعلى وهي أرواح الانبياء والائمة عليه السلام التي اتصلت به وما انفصلت عنه ، وتتصل بهذه الأبدان البشرية للتبليغ والهداية مدة ، ثم تنفصل عنها وهي في جميع احوالها لا تنفك متعلقة بخطيرة القدس وسدرة المنتهى ، وفي دعاء الناحية المقدسة من أدعية رجب ؛
** لا فرق بينك وبينها الا أنهم عبادك وخلقك
पृष्ठ 28
ما خلق الله الذي به يثيب وبه يعاقب ، وهو الحقيقة المحمدية التي تحمل الرسالة العظمى وزعامة الانبياء الكبيرة والسيادة على كل ما خلق الله ؛ لما انفصلت من بدنه العنصري الشريف أمر خليفته أن يتحملها بأمر الله ويتوجه اليها ويمسح بها وجهه كناية عن قبولها والتبرك بها كما يمسح الانسان وجهه بالاشياء المقدسة من القرآن او التربة ، وكان النور واحدا من بدء الخليقة وقبلها في الازل ؛ لم يزل ينتقل فى الاصلاب الطاهرة والارحام المطهرة الى أن وصل الى عبدالمطلب فانشطر شطرين : شطر لعبدالله ، والاخر لابي طالب ، فكان الاول رسول الله والثاني أميرالمؤمنين ، وبوفاة رسول الله رجع النور واحدا في علي عليه السلام كان هذا مختصر ما يمكن أن يقال في هذا المجال ، وهنا أسرار الهية ، وحقائق عرفانية لا يتسع المقام للكشف عنها ، وفيما ذكرناه كفاية ان شاء الله تعالى.
पृष्ठ 29
5
ليلة ولادة اميرالمؤمنين سلام الله عليه
فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين * وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين (1) وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم (2).
هذه السفينة في الزمن الاول والعهود المتوغلة في القدم أول مركب نجى به جميع من على وجه الارض من المؤمنين المستضعفين ، تخلصوا من سطوة الغاشمين ، وسيطرة الظالمين ، بعد الجهود الطائلة ، واتمام الحجة من شيخ الانبياء زهاء ألف سنة ، وبعد أن عامت السفينة في أمواج الطوفان الذي غمر هذه الكرة بأجمعها سنة كاملة ، قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك (3) نعم هذه السفينة هي السفينة التي شبه رسول الله صلى الله عليه وآله أهل بيته بها في الحديث المشهور بين الفريقين :
** أهل بيتى كسفينة نوح من ركبها نجى ، ومن تخلف عنها هلك وهوى
पृष्ठ 31
ومن يتدبر حلا العصور التي قبل الاسلام وما كان العالم فيه لا جزيرة العرب فقط ، بل حتى الدول العظمى في تلك القرون من الفرس والروم ، من يتدبر ما كانت فيه تلك الامم من الجهل والجور والاستبداد يعرف طوفان البلاء الذي غمر الدنيا يوم ذاك ، ويعرف شدة الحاجة الى من ينقذ ذلك الخلق البائس من تلك الغمرات ، فبعثت العناية الازلية المنقذ الاعظم حبيبه محمدا صلى الله عليه وآله ولكن قبل أن يتم رسالته ، وينقذ عموم البشر من ذلك الشر الذي توغل في النفوس واستفحل من عهد قديم قضت الحكمة أن يعود الى الملكوت الاعلى الذي جاء منه ، واكمالا للرسالة ، وابلاغا للغاية أشار الى من يتم به الغرض ، وتقوم به الحجة ، فقال قبل رحلته بقليل : اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وبهذا اتجه أن يصدع الوحي بقوله تعالى : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي (1) وجد نبي الرحمة عند قرب رحيله أن العالم لا يزال بعد مغمورا بطوفان الجهالة : والضلالة لاتزال مستحكمة ، وأنه لابد لهذا الطوفان من سفينة تنجى من أراد النجاة ؛ فقال : أهل بيتي هم السفينة ، وفي دعاء شعبان :
** اللهم صل على محمد وآله الفلك الجارية في اللجج الغامرة ، يأمن
من ركبها ويغرق من تركها
أشار الى ذلك العباس بن عبدالمطلب (2) في مقطوعة تنسب اليه يمدح ابن أخيه صلى الله عليه وآله فيقول :
من قبلها طبت في الظلال وفي
مستخصف حيث يخصف الورق
पृष्ठ 32