जनाकु मसामिर अर्द
الجنقو مسامير الأرض
शैलियों
شكرته على حسن ضيافته لنا ؛ حيث إنه أكرمنا بماء بارد، وزجاجتي بيبسي كولا، أتى بهما ود أمونة، وانصرفنا، كان الجنقو ينتظرون في الخارج في جماعات، وعند باب البنك أحاطوا بنا يسألون، ولكن أبرهيت وهو الشخص المسئول عن تنظيمهم، قال لهم، ودون أن يستشيرني: المساء في بيت أدي، الحوش الخلفي، عايزنكم جميعا.
عند طلوع القمر كان بحوش الأم الخلفي؛ حوش الحفلات، ثلاثمائة من المواطنين أطفالا ونساء ورجالا، بادر الحضور الفكي علي بتلاوة من الذكر الحكيم، وتوتر صوته عندما بلغ الآية الكريمة:
ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين .
ثم أعقبه أبونا بيتر راعي الكنيسة في صلاة قصيرة من الإنجيل قرأ فيها: «يا هؤلاء جميعكم القادحين نارا، المتنطقين بشرار، اسلكوا بنور ناركم، وبالشرار الذي أوقدتموه، من يدي صار لكم كل هذا، في الوجع تضطجعون»، وكررها بالعامية كما يلي: «يا أنتم المولعين نار، المتحزمين بالشرار، امشوا بنور النار والشرار، بتاع إنتم، كلو دا من يدي أنا ربكم، والطريق كله أوجاع.»
ثم ما لبث الناس يتداولون في أمر واحد: نعمل شنو؟ إذا قاطعنا الزراعة نحن الذين نموت جوعا أولا، إذا بقينا كعمال سوف لن نكسب شيئا، يأتي الموسم، خلف الموسم، خلف الموسم، ونحن من اليد إلى الفم، والمستفيد هو الجلابي صاحب المشروع، قال أحدهم: نكسر البنك.
ردوا عليه أنهم لا يريدون دخول السجن، ولا المواجهة مع الشرطة التي قد تؤدي إلى فقد البعض، وإصابة البعض بأذى جسيم، وقالت سعاد يوهنس وهي والدة أحد الشرطيين: يعني نقتل أولادنا البوليس أو يقتلونا، الخسران منو؟
وفجأة تحدث صديقي، قائلا: نحاربهم بالخرا.
سكت الجميع؛ لأن الكلمة بدت لهم غريبة، وغير مقصودة تماما، أو أنها ربما كانت كلمة أخرى سمعوها على هذا النحو، قال مؤكدا وبعينيه إصرار غريب: بالخرا، ما بتعرفوا الخرا؟
ضحكوا وظنوا أنه يعبث، أو هي إحدي مغامراته العجيبة، قال لهم: سمعتوا كلكم بالهنود، الهنود ديل طردوا الإنجليز الأقوياء بالخرا بس، والناس الكبار في السن منكم مثل مختار علي، والفكي الزغراد، والسيد أبرهيت، والشايقي، وأدي، وغيرهم وغيرهم عاصروا وهم أطفال المهاتما غاندي، أها دا الزول اللي قاد ثورة الخرا.
قليلا قليلا، تفهم الناس الأمر، قليلا قليلا، قبلوا به، قليلا قليلا، حددوا المائة الأوائل الذين سوف يفعلون، والآن، قليلا قليلا، حددوا الخمسين، قليلا قليلا، حددوا الثلاثين، وتم ترتيب كل شيء، في الصباح الباكر عندما استيقظ الموظفون في الميس، لم يستطع أي منهم الخروج للعمل؛ حيث كان البراز هنالك يقف عند الباب محتجا عفنا قبيحا بائسا لكن بصمود عجيب، وعندما كسروا الصريف كان عليهم أن يصنعوا من قصبه جسرا يعبرون به إلى الشارع، ولما وصلوا إلى مبنى البنك وجدوه غارقا هو الآخر في بركة من الخراء، ولا يمكن لكائن من كان أن يقترب منه، جيش الذباب الأخضر الضخم ذو الطنين الرهيب صار سيد المكان ومالكه الأوحد، ومديره العام، استعانت إدارة البنك بعمال الصحة الذين أكدوا أنه لم يكن ضمن شروط خدمتهم خم الخراء، إنهم عمال نظافة مواد جافة، طلب مدير البنك من الشرطة أن تقبض على الفاعلين، وتجبرهم على إزالة البراز، ولكن النيابة ردت بأنه: «لا توجد عقوبة بغير نص»، فالتبرز في العراء لم يعتبر في يوم ما جريمة يعاقب عليها القانون، ولم يوجد أمر محلي يمنع ذلك، وكيف نعرف الذين تبرزوا؟ من شكل برازهم أم من لونه؟ وكانوا في قرارة أنفسهم يقفون إلى جانب الجنقو؛ لأن البنك كان محسوبا على مجموعة سياسية بعينها ليسوا هم بعضها، ركب مدير البنك ومعه فريق عمل مكون من خمسة أشخاص عربتهم اللاند كروزر دبل كبينة وانطلقوا لا يلوون على شيء إلى القضارف، في اليوم التالي تبرز مائة من الجنقو داخل الميس المهجور، بل داخل الغرف، وعلى السراير، وحاويات الماء النقي المكرور، وضعوا كمية لا بأس بها من البراز في الثلاجة، والأدوات الكهربائية، والأواني، وتركوا مخزونا آخر في أكياس التسوق البلاستيكية وزن كيلو مبعثرة تحت الأسرة، وفي المطبخ، ومعلقة على الأسقف، في اليوم الثالث ذهب الجنقو جميعا للعمل في نظافة مشاريع التجار بأسعار عمالة لم يفكروا فيها كثيرا، كانوا يريدون الخروج من الحلة ، بأية صورة كانت! بعد أسبوع من الحادثة رجع رجال البنك في معية شاحنة من الاحتياطي المركزي مسلحين برشاشات، وقذائف مسيلة للدموع، عصي مطاطية، درق، سياط وعربة مطافئ، حاولوا غسل المكان بخراطيم الماء المندفع بقوة من عربة المطافئ ولكن هيهات، فقد كان الشيء من الكثافة والتماسك بحيث لا يزيده الماء إلا اندياحا إلى أمكنة وساحات أخرى، ثم أقام الاحتياطي المركزي في مخيم صغير مرعب قرب البنك لشهر كامل، أما الميس فقد تم هجرانه بصورة قاطعة ونهائية، ولكن بعض الجيران ظلوا، كلما وجدوا الفرصة سانحة، يرسلون أكياس التسوق مملوءة بالشيء اللزج العفن من فوق الحوائط إلى الميس، رجع الشايقي، ومختار علي إلى التاية، رجع صديقي إلى القضارف، ثم من هنالك إلى الخرطوم، بقيت أنا في الحلة لبعض الوقت لمؤانسة ألم قشي، لم أر ود أمونة، سألت عنه ألم قشي قالت: إنه كان في القضارف، ولكنه عاد اليوم لعمله بالصباح في البنك، وعند المساء سوف يأتي للعمل في بيت أدي، كان لا يضيع وقتا بلا عمل، فسألتها لماذا يرهق نفسه بهذه الطريقة، ولا مسئوليات لديه وليس له من يصرف عليهم، بل حتى صلته بأمه مقطوعة؟
अज्ञात पृष्ठ