जनाकु मसामिर अर्द
الجنقو مسامير الأرض
शैलियों
في هذه الأيام تشكو النساء بأن السوق بارد؛ حيث تكسد المريسة، وتبور وتضر بها سخونة الجو، فتصبح حامضة وتفسد، يكسد عرقي البلح أيضا، وقد يتوقفن عن صنع العسلية إلا بالطلب؛ لأنها مكلفة وتفسد بسرعة، ويقل المال المتداول في الحلة، تنتعش روح المقايضة، وتصبح مسئولية كل ربة منزل هي أن تحافظ على تماسك أسرتها في هذا الفصل، الصيف، ما أمكن، فالمسألة مسألة حياة أو موت، والاعتماد على الرجل في هذا الموسم بالذات ليس سوى عملية تعجيل الطلاق، أو إفساد هدوء المنزل، وقد يعرضها هي وأبناءها للضرب، كنت أستمع باهتمام لألم قشي، لقد أصبحنا من لحم ودم ونحن الآن مشغولان في إنجاب الطفلة بنشاط وهمة وعمل دءوب، وفيما يشبه استراحة المحارب، كنا نحتسي القهوة بالزنجبيل، كانت تحكي لي بلكنتها الخفيفة المنعشة التي هي كرائحة البن الحبشي التي هي كالصباح على شاطئ النهر، كتنهيدة حبشية تعشق.
دعوني هنا امتدح الحبشيات قليلا، دعوني أصف الهالة السوداء الساحرة حول أعينهن، هي ميزة تخص سكان الهضاب وحدهم، دعوني أصف كتفها وهو يشبه كتفها وحسب، ربما، صنفت اليوم من الرجال العنينين، وهم صنف من الرجال لا تفك طلاسم حزنه سوى امرأة، ولكن أي النساء؟ تحررت من عنتي في ظل لمسات هذه الساحرة، في ظل صبر أناملها المجنونة الشبقة، في ظل ظليل من ذات صبرها، ذات معرفتها، ذات صوفيتها، ذات جنونها، ذات حنكتها، سكتها، ذات حبشيتها، ودعوني أقل: وأنا في هذا الجذب العنيف، دعوني أقدر أن النساء في الكون اثنتان: إما حبشيات، وإما أخريات، أما الحبشيات فحبشيات، أما الأخريات فشتى؛ فمنهن العاملات، والعاطلات، وذوات الجنسيات، اللاجئات، المغتربات، الجنقوجورايات، النحيفات، ذوات الأرداف، العالمات، المعلمات، النبيات، الطالبات، العاشقات، العشيقات، الطويلات، الجدات، السكرانات، المحاميات، القاضيات، الصحفيات، ذوات الكعب العالي، الناكحات، العطشى، اللائي يضعن نظارات طبية سميكة، الناظرات، الضاحكات، اللائي يمشين كما يمشي الوجي الوحل، الراقصات، العاريات، اللابسات، الزانيات، العفيفات، الشريفات، النظيفات، التقيات، البائسات، الجائعات، الأمهات، الصديقات، الأخوات، البنات، الشاعرات، الكاتبات، اللات، السامايات، كانت ألم قشي تحكي لي، زوجتي وحبيبتي ألم قشي، وهذا مقام ضد العنة، وتسألني عن خوف الرجال المميت من العنة؟ قال لي ود أمونة ذات مرة: أنا حلمت كم مرة امرأة، وكنت فرحان جدا جدا.
ولكنني أنا أحب أن أكون رجلا، رجلا يضاجع النساء بقدرة وفعالية، ويقذف في أرحامهن، ويجعلهن يحبلن ويلدن، ولا أفهم كيف يرغب ود أمونة أن يكون امرأة؛ لأنه ببساطة أن تكون امرأة يعني أن تتحمل الرجل، وهذا أسوأ ما في الأمر، لعمري كيف يمكن تحمل مخلوق بهذه البجاحة والأنانية والعنطظة؟
قالت لي ألم قشي إنها تزوجت من قبل من رجل في همدائييت اسمه موسى حربة حربة، له أسرة تعمل في التهريب إلا هو، فكان الجنقوجوراي الوحيد في الأسرة، كانا يسكنان الجيرة في بيت على شاطئ النهر مباشرة، ولأنه ليست هناك منازل للأثرياء وأخرى للفقراء؛ فكانا يسكنان كما يسكن الجميع، قطية كبيرة، أمامها راكوبة من القش والعدار، لها سور من أشواك الكتر وقصب الذرة، كانت تعمل في الصيف مثل كثير من النساء في صناعة الخمور البلدية، وفي كل ثلاثاء تصنع برميلا من المريسة، هو لا يفعل شيئا سوى لعب الكوتشينة تحت الأشجار الظليلة مع العساكر، أو أحيانا يذهب في رحلة القنيص لصيد الأرانب، الحلوف، القرود والأصلات في غابة زهانة، مرة مرة يذهب لسوق الكترة شاريا أو بائعا، اعترفت لي أنها أنجبت له بنتين، هما الآن مع أسرته في همدائييت، بنتان جميلتان تدرسان بالمدرسة الابتدائية، الكبرى في الصف السابع، والصغرى في الصف الخامس، طلقها في صيف ساخن جاف مغبر قبل ثلاثة أعوام، لا لسبب واضح سوى أنها قالت له: ابقى زي الرجال، خلي الكسل، واشتغل في الجيش أو التهريب، فأخذ البنتين إلى أبيه الثري بهمدائييت، عندما عاد أقام مع امرأة مطلقة في حي السوق، ولكنه انتظم في زيارتها، مرتين في الأسبوع على الأقل عند منتصف الليل، مدعيا أن له حقا فيها طالما لم تتزوج إلى الآن، ومن حقه أن يعيدها إلى عصمته وقتما شاء، وأن يضاجعها وقتما أراد، طالما لم يعطها قسيمتها بعد، فهو شرعا زوجها، وأكد لها: اليوم الألقى راجل معاك ح أكتله وأكتلك.
لم يقف أحد في صفها، كان عليها أن تقبله كما هو؛ لأنه ليس استثناء، هي الاستثناء والنشاز، هي نفسها، قالت ألم قشي في حنان، وهي تمد لي يدا بها فنجان قهوة يرسل بخارا شهيا في الهواء: إنت زول تاني، ما بتشبه رجال البلد دي، عشان كدا أنا حبيتك، وقلت إنت التستاهل تكون أبو بتي؛ لأنها ح تاخد طبعتك، فهمت ولا ما فهمت؟
ليس هناك ما أفعله في الحلة، كانت الأيام تتمطى مثل كلب كسول، تحت زير ماء ندي، كل ما يجب أن يقوم به رجل قد مضى أوانه، والآن أوان الكسل، مصاحبة النساء، الاستدانة عن طريق رهن الزينة، والبعض يعمل في تنظيف الأرض وصنع الفحم، عنت لي فكرة أن أمتلك أرضا زراعية على تخوم خور مغاريف، وأقوم بخدمتها وتنظيفها بنفسي حتى لا يقضى علي ضجرا، وأنا رجل لم أعتد على أن تقوم النساء برعايتي مقابل المصاحبة، أو إشباع السرير، تبقى لي من التأمين الاجتماعي مبلغ يوفر لي أرضا رخيصة وشاسعة، لم لا أغامر وأترك، الترقد والتجدع في البيوت؟ استشرته في الأمر ولكنه فضل أن يقضي هذا الصيف في المدينة، وربما سافر إلى أديس أبابا، أو القاهرة ؛ حيث إنه يود حضور معرض الكتاب الدولي في شهر فبراير، واقترح علي أن آخذ ألم قشي إلى المدينة؛ لأن الحياة لا تطاق هنا في هذا الفصل، سألني سؤالا مباغتا: ما سألتني عن الصافية؟
قلت له ضاحكا: الناس كلها تعرف تفاصيل التفاصيل.
يعرف أنه قد أصبح من أسطورات هذا المكان، الأسطورات الأكثر إدهاشا، يكفي أن يذكر اسمه حتى تلهج الألسن بحكايته مع الصافية التي يحكيها كل من شاء، كيفما شاء، أينما شاء، لمن يشاء، لكن أقرب الحكايات إلى الواقع والدقة هي الحكاية التي سوف أحكيها أنا العارف به، كما أنني اعتمدت في حكايتي، كما ستلاحظون، على كثير من المصادر وقارنت وثقفت الأقاويل، بل إنني أقمت ما يشبه الندوة في بيت أداليا دانيال يوم مريستها بالسبت، وحضرها الفكي علي وهو رجل مشهور بمعرفة المستور، وفضح النوايا الحسنة منها والسيئة على السواء، بل يستطيع التنبؤ بتاريخ موت الأشخاص وميلاد أطفالهم؛ حيث إن لديه كتبا مثل: الجلجلوتية، وأصول الفقه، شمس المعارف الكبرى، أبو معشر الفلكي الكبير والصغير، واضح البيان في استخدام الجان، وكتاب الطاسين المشهور، وهو أشد الناس بغضا للخرافة وشطط القول؛ لأنه يستخدم العلم: علم الكتاب، كان صديقي معنا أيضا، ولكن لم يعتمد روايته أحد حتى أنا نفسي؛ لأنها كانت الأبعد عن الواقع، بل رأى الجميع فيها الكذب بعينه، والخرافة بقرونها، وقد أقسم مرارا على أنه يقول الحق، وأنه يحكي ما حدث له بالضبط دون زيادة أو نقصان، إلا أن الناس فيما يشبه الندوة في بيت أداليا دانيال يوم مريستها بحضور الفكي علي الزغراد اتفقوا على أن يعتبروا كلامه كلام زول سكران لا أكثر، وقد احتج على جملة الفكي علي، ولكنه لم يغادر الندوة، وأخذ يستمع في صبر إلى حكايته الصحيحة مع الصافية، يقصها المنتدون، يتحدثون بلسانه، يجرون حوارات يفترض أنها وقعت بينه والصافية، بل إنهم يغرقون في تفاصيل ما حدث بدقة، بتأكيد وطمأنينة عظيمين، لم يحاول الاعتراض على شيء؛ لأن لا أحد سوف ينتبه له، كل ما يعتبره حقيقة يعتبره الآخرون تخريفا ، كذبا وتلفيقا، وإتلافا متعمدا لوقائع اعتبرها الناس ملكا لهم، لا يختلف اثنان على أنه طرف في الحادثة، ولكن الحادثة لا تخصه وحده، بل قد لا تخصه إطلاقا، إلى أن انفض الجميع؛ حيث ذهب ثلاثتنا إلى منزل مختار علي، صلينا العشاء في جماعة، تعشينا، ناما، ذهبت أنا إلى قطيتي في بيت أدي، حيث تنتظرني ألم قشي في صحبة ود أمونة.
هدايا ونصائح لود أمونة
افتتح البنك في وقت حسب بدقة؛ ليواكب الموسم الزراعي لهذا العام، وجاء الموظفون ونزلوا في ضيافة شركة الاتصالات إلى أن تكتمل اللمسات الأخيرة لميس خاص بهم، تم بناؤه من المواد الثابتة، وشبه الثابتة؛ ليوائم المناخ وطبيعة المكان، كان يدور حوله صريف من القصب والشوك كغيره من بيوت السكان، ولكن بني الجزء الأسفل من القطاطي بالطوب الأحمر والحجر، الجزء الأعلى من القش النال والقنا، كما تبتنى القطاطي عادة في الحلة، أول من تعرف عليه موظفو البنك كانت ألم قشي، كونها تعمل في ميس شركة الاتصالات، وعندما سألوا عن شخص يعمل معهم كمراسلة، اقترحت عليهم ود أمونة دون تردد، كان الشخص الوحيد الذي بدا لها مفيدا في هذه المهنة، ولربما لمعرفتها التي اكتسبتها من معاشرة أولاد المدن في ميس الشركة، ولمعرفتها لود أمونة؛ حيث إنه طيع، وطائع، وسهل التعامل، ويمكن إرساله لأي غرض مهما صغر، كإشعال سيجارة مثلا، ومهما كبر كخطبة امرأة، فلا يشكو أو يتبرم، دائما ما يرى نظيفا، طلق الوجه، لا يسكر إطلاقا بالنهار مهما كان الندامى، أما عند الليل فليس قبل أن يتأكد من أن لا أحد يحتاج إلى خدماته، شخص مثله نادرا ما يوجد؛ حيث السمة العامة للرجال هنا هي الفظاظة، والرعونة، والرائحة النتنة. ود أمونة، ود أمونة، ما في غيره، ظريف، وسيم، مؤدب، طيع، ومسكين، ويترسل، حدثتهم بأنه يعمل الآن في بيت الأم بأجر زهيد، وشرحت لهم الصفات التي اعتبرها بعضهم نعمة، لم يرفض شكرها.
अज्ञात पृष्ठ