जनाकु मसामिर अर्द
الجنقو مسامير الأرض
शैलियों
ودون رد أو تعليق من الحاضرين أخذ العجور يغني بصوته الشجي:
قيسان البعيدة.
قيسان البعيدة.
عندي فوقو الحبيبة.
قيسان البعيدة، عندي فوقو الحبيبة.
ولأن كل أغانيه جماعية يستحيل أداؤها دون كورس، أخذنا نردد خلفه المقاطع الأولى من الأغنية، وليست تلك مهمة صعبة؛ حيث إن كل الأغاني معروفة لدى الجميع، أنا وصديقي غريبان، ولكن ترديد جملتين لحنيتين بالسلم الخماسي، بهما كلمتان من اللغة العربية، وخمس كلمات من لغة البرتا، وثلاث بالأنقسنا ليس بالأمر العسير، ولو أننا قد نشتر عن اللحن والإيقاع أحيانا، ولكننا نغني خلفه بإصرار وحماس، مدتنا به عسلية ومريسة أداليا دانيال بجمالها ومذاقها الحلو، في الحقيقة لا يوجد غرباء هنا في الحلة؛ فور أن تنزلك بربارا أو يلقي بك باص كئيب، أو تهبط من ظهر لاندروفر، أو يرمي بك لوري في الحلة، أو بمكان ما في السوق، تصبح أحد أفراد الحلة المؤسسين، وتعرف كل شيء عن كل شيء، في ذات اللحظة وذات مكان الوصول، ويصرح لك بأن تسرد تاريخا متخيلا أو حقيقيا، يؤكد تواجد جدودك القدامى في هذه الحلة منذ أن كانت مفازة تسكنها القرود، والضباع، والشياطين بقايا مملكة سليمان وبلقيس، رقصت أداليا دانيال بصدرها المملوء باللبن بصورة رائعة، خلدت في ذهني إلى الأبد، تبرع جنقوجوراي شاب من قبيلة الوطاويط اسمه أغازي، ويعني بلغة البرتا المر، بأداء إيقاع الكلش السريع الصعب، بواسطة وعاء بلاستيكي يستخدم لتقديم المريسة، عندما انتهت الأغنية، صفقنا جميعا لأنفسنا؛ حيث كانت الأغنية من أداء الجميع، رقصت أداليا دانيال عنا بصدرها الناهد الوافر؛ ما جعلنا نطلب باقي المريسة «البايرة» عندها؛ لأن الجنقو الفدادة ذهبوا، وأعطيناها ثمن جردلين من المريسة لم نشربهما، بحر إرادتنا ووعينا، وحشر لها صديقي في فراغ ما بين النهدين في ما يسمى ب «وادي الكدايس»، ورقة نقدية كبيرة، همس لي مختار علي في أذني ونحن ننصرف: لو ما عملت كدا كان تبيع مريستها الحامضة دي لمنو «لمن»؟ وعسليتها البايرة؟
وضعنا سريرينا قرب قرب في المساء، كان الضوء الباهت يأتينا من داخل القطية في شكل عمود ضخم، حكى لي عن أسرة الصافية كما طلبت منه، الجدة ووالدها عبد الرازق، حدثني أن الجد جاء إلى هنا بعد هروبه العجيب من سجن الحمرة وعلى رأسه «الفرو»، وهو أول شخص في تاريخ الحبشة يهرب بالفرو، وربما في إيطاليا ذاتها؛ لأن الإيطاليين هم الذين جاءوا بالفرو إلى الحبشة، وهو يستخدم لتأديب الثوار واللصوص، شربنا قهوة أعدتها لنا إحدى الجارات، وناولتها لنا من على الصريف، مذكرة إيانا بأن اليوم هو عيد القديس يوهنس، باركنا لها العيد، واعتذرنا عن المباركة المتأخرة؛ لأننا ما كنا نعلم، قالت لي الجارة: ألم قشي تسلم عليك، سألتها بسرعة: وين ألم قشي؟
قالت وبصوتها احتفالية جزلة: هي قاعدة معانا هنا، عايز تشوفها؟
وجودنا في بيت مختار علي، حرمنا من حضور الاحتفال العظيم الذي أقامته أدي في منزلها؛ احتفاء بعيد القديس يوهنس، وحرمنا من وجبة الديوك الحمر والأم بابا، ولو أنه لم يكن هناك رقص وغناء نسبة لانشغال ود أمونة بتعليم العروس الشتراء ، إلا أن اليوم كما حكي لنا لاحقا كان «خطير»، على حسب تعبير ألم قشي، وأشير هنا إلى أن ألم قشي هو الاسم الذي يلاحقني في هذه الأيام، وأنا وهي متهمان بأننا ننوي القيام بخطوة ما كانوا يتوقعونها، يقولون إننا سوف نتزوج في عيد الأضحى القادم، وأقل الأقوال تفاؤلا بعلاقتنا هي أنني أحبها حبا شديدا، وهي أيضا متأكدة من حبي لها مثلها مثل الجميع، إلا أنا لا أعرف شيئا عن هذا الحب، كل ما أعرفه أن ألم قشي أول من أنهت عذريتي بصورة واضحة وطبيعية، وأنها إلى حد ما كسرت حاجز الخوف الذي بيني وبين المرأة؛ والحق يقال أيضا كنت دائما ما أتخيل نفسي بأنني سوف أفشل مع النساء حالما تتاح لي الفرصة كاملة، لذا كن يخفنني، كما أنني كنت مقتنعا بفكرة غريبة مفادها أنني إذا فشلت مع المرأة الأولى سوف أصبح عنينا بقية حياتي، ولم تنفع الشهادات الهشة التي كنت أستعين بها للدفاع عن رجولتي من حين لآخر، مثلا ذكرى صاحبة الطحانة التي اغتصبتني وأنا طفل، وذكرى أخت زميلي، ذكرى دحشة، ومعزة، أتيتهما وأصحابي المراهقون، ذكرى كلبة ألبسناها طبقا من السعف حول عنقها واغتصبناها، وأستاذة الجامعة الشبقة وغيرها من الممارسات غير السوية المقرفة، ألم قشي هي التي أعادت لي ثقتي بنفسي بحرفية عالية، بذكاء بالغ، بمتعة مدهشة، وجدت نفسي أتعامل مع امرأة كاملة طبيعية وإنسانة، أتينا الفعل في ليلة واحدة ما لا يقل عن عشر مرات، أو قل الليل كله، وعند الفجر، وقبل وبعد الإفطار، أعطيتها أجرها بكرم سخي، ثم لم نفعل مرة أخرى، ولو أننا تقابلنا وشربنا القهوة معا وتلامسنا، أما مسألة الحب، والزواج، وغيره، وغيره لم أعرف منها شيئا، ولم أفكر فيها أبدا، وإذا صدقت القول أنا لم أحب في حياتي مطلقا، وغالبا ما يصفني أصدقائي بأنني «بارد»، ألم قشي سيدة طويلة، لها بشرة ذهبية ناعمة، بل قل حمراء، لها عينان حبشيتان كبيرتان، يحيط بهما ظل ثقيل يكسيهما سحرا خاصا بساكني المناطق الجبلية والهضاب العالية ذات المناخات المطيرة ، فوق ذلك لم تكن بالسيدة الفاتنة فتنة ظاهرة صارخة، على الرغم من أن لها جسدا شهوانيا، وإلا لأصبحت عاملة بار ناجحة في الحمرة، أو قندر، أو حتى أديس أبابا ذاتها، ولكن ما يبدو من فتنتها أبعدها، كما تقول دائما، عن منافسة البارستات المحترفات شكلا ومهارة هنالك، وقادها إلى الأراضي السودانية الجديدة، حيث شيع وعلم عن السودانيين حبهم للحبشيات وتفضيلهن على نسائهم الوطنيات، وسبب ذلك كما تؤكد ألم قشي: الطهارة «الختان» وعدم الحنية، وعدم الحنية سببه الطهارة برضو، قلت للجارة الطيبة: قولي لألم قشي مبروك عيد القديس يوهنس، وأنا ح أجيها بعد شوية عندكم، أصدرت الجارة صوتا بباطن لسانها، وشفطت كمية من الهواء بفمها، فيما يعني في هذه الأنحاء: حسنا.
ساعدت مختار علي على الاستحمام، لأول مرة تقريبا يستحم، منذ أكثر من أسبوعين، أي منذ أن أصيب، حيث نصح بعدم الاقتراب من الماء، حتى لمجرد الوضوء للصلاة، عليه بالتيمم، نصحه أفراد كثيرون أصيبوا قبله بضربة الدم، وهو التصنيف المحلي لمرضه المجهول، عندما فرغنا من الاستحمام وجدناها في انتظارنا خارج القطية، في الراكوبة مضجعة على عنقريب عجوز دون لحاف، تظهر عري ساقيها بصورة استعراضية إيروسية في غاية الإغواء، قالت: طالما أنا رافض أن أزورها، فبادرت هي بالزيارة، ولكنها أكدت أيضا أنها لن تكرر هذه المحاولة: كلنا عندنا عزة نفس.
अज्ञात पृष्ठ