70

يقولون من هذا وقد عرفوني

يقولون لي أهلا وسهلا ومرحبا

ولو ظفروا بي خاليا قتلوني

وكيف ولا توفي دماؤهم دمي

ولا مالهم ذو ندهة فيدوني

فهو قد كان في حاجة إلى الاقتحام، ولكنه كان اقتحاما سهلا عليه موافقا لحاله وحال بثينة وأهلها، فاقتحم ما أمن وسلم، وما كان الخطر من بثينة وأهل بثينة، فلما تجاوز ذلك إلى الخطر من مطاردة السلطان وإهدار بأمر الوالي الذي يقدر عليه وعلى قبيلته رجع إلى الأناة، وهرب إلى اليمن كما قيل.

وليس يطلب من جميل ولا من عاشق في موضعه أن يكافح السلطان بشجاعته وينهض للدولة ببأسه، فمن الجائز مع هذا أن يكون شجاعا، وأن يترك دياره إلى اليمن إذا لم يكن له بد من زيارة بثينة فيقتل، أو من معالجة السلو وهو قريب منها فلا يطيق.

إلا أنه لم تكن به حاجة إلى أكثر من الشجاعة التمثيلية في دوره الحقيقي وفي روايته الواقعة، وهذه الشجاعة التمثيلية كافية لاصطباغ شعره بصبغة الفحولة التي تظهر فيه، ولا تظهر في شعر ابن أبي ربيعة.

أما إذا أعرضنا عن البحث في شجاعته لبيان هذا الفارق بينه وبين المتغزلين بالنساء عامة، واعتمدنا أن نعرفها لنعرفه على حقيقته، ونخلص إلى ناحية من نفسه قد تعين على فهمه وفهم عشقه وشعره، فالذي يلوح لنا أنه كان شجاعا بين قومه ككل بدوي يشجع في حمى الجماعة وفي ذمار القبيلة، فإذا حاربوا حارب، وإذا اجترأ فإنما يجترئ بقلوب المئات والألوف من ورائه، ولكنه لا يخلو من رقة تقعد به عن النضال العنيف والمعارك الدامية، وفي بعض قوله ما يدل على ذلك؛ حيث يقول:

يقولون جاهد يا جميل بغزوة

अज्ञात पृष्ठ