لقيتك يوما أن أبثك ما بيا
ألم تعلمي يا عذبة الريق أنني
أظل إذا لم أسق ريقك صاديا
فرقت له بثينة وقالت لمولاة لها كانت معها: ما أحسن الصدق بأهله! ثم اصطلحا، فسألته بثينة أن ينشدها قوله:
تظل وراء الستر ترنو بلحظها
إذا مر من أترابها من يروقها
فأنشدها إياها، فبكت وقالت: كلا يا جميل! ومن ترى أن يروقني غيرك؟
فتلك جملة من الأخبار المتفرقة تفضي بنا إلى نتيجة ظاهرة وهي أن الهوى بين جميل وبثينة لم يكن خلوا من نزعات الجسد، ولم يكن خلوا كذلك من الشك والريبة وتهمة الخيانة من الجانبين، فماذا نقول في ذلك؟ أنقول: إنه تناقض؟ نعم! هو تناقض لا شك فيه، ولكنه تناقض في طبيعة العاطفة نفسها أو في حالاتها وتعبيراتها، وليس هو مع ذلك بمانع حصولها؛ لأنها تحصل متناقضة الحالات والتعبيرات، وكذلك العواطف جميعا لا تلتزم الدقة المنطقية في جميع الأوقات.
فجائز جدا أن يكون جميل قد أعلن براءته في بعض شعره، وجائز أن يكون جميل قد كشف الحقيقة في بعضه الآخر، وجائز جدا أن يكون عذريا فيما اعتقد ونوى، وأن تخالطه النزعات الجسدية فيما طغى به الهوى.
ذلك كله جائز جدا وهو الذي يحصل كل يوم ولا نزال نراه حيثما التفتنا إليه.
अज्ञात पृष्ठ