373

" ليس من البر الصوم في السفر "

فمن بلغ منه الصوم ما بلغ من الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم، ذلك، فليس من البر صومه لأن الله تعالى ذكره قد حرم على كل أحد تعريض نفسه لما فيه هلاكها، وله إلى نجاتها سبيل، وإنما يطلب البر بما ندب الله إليه وحض عليه من الأعمال لا بما نهى عنه. وأما الأخبار التي رويت عنه صلى الله عليه وسلم من قوله:

" الصائم في السفر كالمفطر في الحضر "

فقد يحتمل أن يكون قيل لمن بلغ منه الصوم ما بلغ من هذا الذي ظلل عليه إن كان قيل ذلك، وغير جائز أن يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم قيل ذلك، لأن الأخبار التي جاءت بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واهية الأسانيد لا يجوز الاحتجاج بها في الدين. فإن قال قائل: وكيف عطف على المريض وهو اسم بقوله: { أو على سفر } و «على» صفة لا اسم؟ قيل: جاز أن ينسق بعلى على المريض، لأنها في معنى الفعل، وتأويل ذلك: أو مسافرا، كما قال تعالى ذكره: دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فعطف بالقاعد والقائم على اللام التي في لجنبه، لأن معناها الفعل، كأنه قال: دعانا مضطجعا أو قاعدا أو قائما.القول في تأويل قوله تعالى: { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر }. يعني تعالى ذكره بذلك: يريد الله بكم أيها المؤمنون بترخيصه لكم في حال مرضكم وسفركم في الإفطار، وقضاء عدة أيام أخر من الأيام التي أفطرتموها بعد إقامتكم وبعد برئكم من مرضكم التخفيف عليكم، والتسهيل عليكم لعلمه بشقة ذلك عليكم في هذه الأحوال. { ولا يريد بكم العسر } يقول: ولا يريد بكم الشدة والمشقة عليكم، فيكفلكم صوم الشهر في هذه الأحوال، مع علمه شدة ذلك عليكم وثقل حمله عليكم لو حملكم صومه. كما: حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } قال: اليسر: الإفطار في السفر، والعسر: الصيام في السفر.

حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي حمزة، قال: سألت ابن عباس عن الصوم في السفر، فقال: يسر وعسر، فخذ بيسر الله. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: { يريد الله بكم اليسر } قال: هو الإفطار في السفر، وجعل عدة من أيام أخر، { ولا يريد بكم العسر }. حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } فأريدوا لأنفسكم الذي أراد الله لكم. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن عيينة، عن عبد الكريم الجزري عن طاوس، عن ابن عباس قال: لا تعب على من صام ولا على من أفطر، يعني في السفر في رمضان { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر }. حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: ثنا الفضيل بن خالد، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال سمعت الضحاك بن مزاحم في قوله: { يريد الله بكم اليسر } الإفطار في السفر، { ولا يريد بكم العسر } الصيام في السفر.القول في تأويل قوله تعالى: { ولتكملوا العدة }. يعني تعالى ذكره بذلك: { ولتكملوا العدة } عدة ما أفطرتم من أيام أخر أوجبت عليكم قضاء عدة من أيام أخر بعد برئكم من مرضكم، أو إقامتكم من سفركم. كما: حدثني المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: { ولتكملوا العدة } قال: عدة ما أفطر المريض والمسافر. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: { ولتكملوا العدة } قال: إكمال العدة: أن يصوم ما أفطر من رمضان في سفر أو مرض إلى أن يتمه، فإذا أتمه فقد أكمل العدة. فإن قال قائل: ما الذي عليه بهذه الواو التي في قوله: { ولتكملوا العدة } عطفت؟ قيل: اختلف أهل العربية في ذلك، فقال بعضهم: هي عاطفة على ما قبلها كأنه قيل: ويريد لتكملوا العدة ولتكبروا الله. وقال بعض نحويي الكوفة: وهذه اللام التي في قوله: { ولتكملوا } لام كي، لو ألقيت كان صوابا. قال: والعرب تدخلها في كلامها على إضمار فعل بعدها، ولا تكون شرطا للفعل الذي قبلها وفيها الواو ألا ترى أنك تقول: جئتك لتحسن إلي، ولا تقول: جئتك ولتحسن إلي فإذا قلته فأنت تريد: ولتحسن جئتك. قال: وهذا في القرآن كثير، منه قوله:

ولتصغى إليه أفئدة

[الأنعام: 113] وقوله:

وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموت والأرض وليكون من الموقنين

[الأنعام: 75] لو لم تكن فيه الواو كان شرطا على قولك: أريناه ملكوت السموات والأرض ليكون، فإذا كانت الواو فيها فلها فعل مضمر بعدها، و «ليكون من الموقنين» أريناه.

وهذا القول أولى بالصواب في العربية، لأن قوله: { ولتكملوا العدة } ليس قبله لام بمعنى التي في قوله: { ولتكملوا العدة } فتعطف بقوله: { ولتكملوا العدة } عليها، وإن دخول الواو معها يؤذن بأنها شرط لفعل بعدها، إذ كانت الواو لو حذفت كانت شرطا لما قبلها من الفعل. القول في تأويل قوله تعالى: { ولتكبروا الله على ما هداكم }. يعني تعالى ذكره: ولتعظموا الله بالذكر له بما أنعم عليكم به من الهداية التي خذل عنها غيركم من أهل الملل الذين كتب عليهم من صوم شهر رمضان مثل الذي كتب عليكم فيه، فضلوا عنه بإضلال الله إياهم، وخصكم بكرامته فهداكم له، ووفقكم لأداء ما كتب الله عليكم من صومه، وتشكروه على ذلك بالعبادة له. والذكر الذي خصهم الله على تعظيمه به التكبير يوم الفطر فيما تأوله جماعة من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن داود بن قيس، قال: سمعت زيد بن أسلم يقول: { ولتكبروا الله على ما هداكم } قال: إذا رأى الهلال، فالتكبير من حين يرى الهلال حتى ينصرف الإمام في الطريق والمسجد إلا أنه إذا حضر الإمام كف فلا يكبر إلا بتكبيره. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: سمعت سفيان يقول: { ولتكبروا الله على ما هداكم } قال: بلغنا أنه التكبير يوم الفطر. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: كان ابن عباس يقول: حق على المسلمين إذا نظروا إلى هلال شوال أن يكبروا الله حتى يفرغوا من عيدهم لأن الله تعالى ذكره يقول: { ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم } قال ابن زيد: ينبغي لهم إذا غدوا إلى المصلى كبروا، فإذا جلسوا كبروا، فإذا جاء الإمام صمتوا، فإذا كبر الإمام كبروا، ولا يكبرون إذا جاء الإمام إلا بتكبيره، حتى إذا فرغ وانقضت الصلاة فقد انقضى العيد. قال يونس: قال ابن وهب: قال عبد الرحمن بن زيد: والجماعة عندنا على أن يغدوا بالتكبير إلى المصلى. القول في تأويل قوله تعالى: { ولعلكم تشكرون }. يعني تعالى ذكره بذلك: ولتشكروا الله على ما أنعم به عليكم من الهداية والتوفيق. وتيسير ما لو شاء عسر عليكم. و «لعل» في هذا الموضع بمعنى «كي»، ولذلك عطف به على قوله: { ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون }.

अज्ञात पृष्ठ