359

وإنا من لقائهم لزور

يقال منه: جنف الرجل على صاحبه يجنف: إذا مال عليه وجار جنفا. فمعنى الكلام: من خاف من موص جنفا له بموضع الوصية، وميلا عن الصواب فيها، وجورا عن القصد أو إثما، بتعمده ذلك على علم منه بخطأ ما يأتي من ذلك فأصلح بينهم، فلا إثم عليه. وبمثل الذي قلنا في معنى الجنف والإثم قال أهل التأويل ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس في قوله: { فمن خاف من موص جنفا } يعني بالجنف: الخطأ. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، عن عبد الملك، عن عطاء: { فمن خاف من موص جنفا } قال: ميلا. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا عبد الملك، عن عطاء، مثله. حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا خالد بن الحرث ويزيد بن هارون، قالا: ثنا عبد الملك، عن عطاء مثله. حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك، قال: الجنف: الخطأ، والإثم: العمد.

حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: ثنا الزبيري، قال: ثنا هشيم، عن جويبر، عن عطاء مثله. حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: { فمن خاف من موص جنفا أو إثما أما جنفا }: فخطأ في وصيته وأما إثما: فعمد يعمد في وصيته الظلم. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: { فمن خاف من موص جنفا قال: جنفا إثما. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن سعد وابن أبي جعفر عن أبي جعفر، عن الربيع: { فمن خاف من موص جنفا أو إثما } قال: الجنف: الخطأ، والإثم: العمد. حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا خالد بن يزيد صاحب اللؤلؤ، قال: ثنا أبو جعفر، عن الربيع بن أنس، مثله. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا قبيصة، عن سفيان، عن أبيه، عن إبراهيم: { فمن خاف من موص جنفا أو إثما } قال: الجنف: الخطأ، والإثم: العمد. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا فضيل بن مرزوق، عن عطية: { فمن خاف من موص جنفا } قال: خطأ، أو إثما متعمدا. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق قال: ثنا عبد الرزاق، عن ابن عيينة، عن ابن طاوس، عن أبيه: { فمن خاف من موص جنفا } قال: ميلا. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: { جنفا } حيفا، والإثم: ميله لبعض على بعض، وكله يصير إلى واحد كما يكون عفوا غفورا وغفورا رحيما. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: الجنف: الخطأ، والإثم: العمد. حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: ثنا الفضل بن خالد، قال: ثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك، قال: الجنف: الخطأ، والإثم العمد. وأما قوله: { إن الله غفور رحيم } فإنه يعني: والله غفور رحيم للموصي فيما كان حدث به نفسه من الجنف والإثم، إذا ترك أن يأثم ويجنف في وصيته، فتجاوز له عما كان حدث به نفسه من الجور، إذ لم يمض ذلك فيغفل أن يؤاخذه به، رحيم بالمصلح بين الموصي وبين من أراد أن يحيف عليه لغيره أو يأثم فيه له.

[2.183]

يعني الله تعالى ذكره بقوله: { يا أيها الذين آمنوا } بالله ورسوله، وصدقوا بهما وأقروا. ويعني بقوله: { كتب عليكم الصيام } فرض عليكم الصيام، والصيام مصدر من قول القائل: صمت عن كذا وكذا، يعني كففت عنه، أصوم عنه صوما وصياما، ومعنى الصيام: الكف عما أمر الله بالكف عنه ومن ذلك قيل: صامت الخيل إذا كفت عن السير، ومنه قول نابغة بني ذبيان:

خيل صيام وخيل غير صائمة

تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما

ومنه قول الله تعالى ذكره

إني نذرت للرحمن صوما

[مريم: 26] يعني صمتا عن الكلام. وقوله { كما كتب على الذين من قبلكم } يعني: فرض عليكم مثل الذي فرض على الذين من قبلكم. ثم اختلف أهل التأويل في الذين عنى الله بقوله: { كما كتب على الذين من قبلكم } وفي المعنى الذي وقع فيه التشبيه بين فرض صومنا وصوم الذين من قبلنا، فقال بعضهم: الذين أخبرنا الله عن الصوم الذي فرضه علينا أنه كمثل الذي كان عليهم هم النصارى، وقالوا: التشبيه الذي شبه من أجله أحدهما بصاحبه هو اتفاقهما في الوقت والمقدار الذي هو لازم لنا اليوم فرضه. ذكر من قال ذلك: حدثت عن يحيى بن زياد، عن محمد بن أبان، عن أبي أمية الطنافسي، عن الشعبي أنه قال: لو صمت السنة كلها لأفطرت اليوم الذي يشك فيه فيقال من شعبان ويقال من رمضان، وذلك أن النصارى فرض عليهم شهر رمضان كما فرض علينا فحولوه إلى الفصل، وذلك أنهم كانوا ربما صاموه في القيظ يعدون ثلاثين يوما، ثم جاء بعدهم قرن فأخذوا بالثقة من أنفسهم فصاموا قبل الثلاثين يوما وبعدها يوما، ثم لم يزل الآخر يستن سنة القرن الذي قبله حتى صارت إلى خمسين، فذلك قوله: { كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم }. وقال آخرون: بل التشبيه إنما هو من أجل أن صومهم كان من العشاء الآخرة إلى العشاء الآخرة، وذلك كان فرض الله جل ثناؤه على المؤمنين في أول ما افترض عليهم الصوم. ووافق قائلو هذا القول القائلي القول الأول أن الذين عنى الله جل ثناؤه بقوله: { كما كتب على الذين من قبلكم } النصارى. ذكر من قال ذلك: حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط عن السدي: { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } أما الذين من قبلنا فالنصارى، كتب عليهم رمضان، وكتب عليهم أن لا يأكلوا ولا يشربوا بعد النوم، ولا ينكحوا النساء شهر رمضان. فاشتد على النصارى صيام رمضان، وجعل يقلب عليهم في الشتاء والصيف فلما رأوا ذلك اجتمعوا فجعلوا صياما في الفصل بين الشتاء والصيف، وقالوا: نزيد عشرين يوما نكفر بها ما صنعنا.

अज्ञात पृष्ठ