ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين
[هود: 18]. وأما ما قاله قتادة من أنه عنى به بعض الناس، فقول ظاهر التنزيل بخلافه، ولا برهان على حقيقته من خبر ولا نظر. فإن كان ظن أن المعني به المؤمنون من أجل أن الكفار لا يلعنون أنفسهم ولا أولياءهم، فإن الله تعالى ذكره قد أخبر أنهم يلعنونهم في الآخرة، ومعلوم منهم أنهم يلعنون الظلمة، وداخل في الظلمة كل كافر بظلمه نفسه، وجحوده نعمة ربه، ومخالفته أمره.
[2.162]
إن قال لنا قائل: ما الذي نصب { خالدين فيها }؟ قيل: نصب على الحال من الهاء والميم اللتين في عليهم. وذلك أن معنى قوله: { أولئك عليهم لعنة الله }: أولئك يلعنهم الله والملائكة والناس أجمعون خالدين فيها. ولذلك قرأ ذلك: «أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعون» من قرأه كذلك توجيها منه إلى المعنى الذي وصفت. وذلك وإن كان جائزا في العربية، فغير جائزة القراءة به لأنه خلاف لمصاحف المسلمين وما جاء به المسلمون من القراءة مستفيضا فيها، فغير جائز الاعتراض بالشاذ من القول على ما قد ثبتت حجته بالنقل المستفيض. وأما الهاء والألف اللتان في قوله: { فيها } فإنهما عائدتان على اللعنة، والمراد بالكلام ما صار إليه الكافر باللعنة من الله ومن ملائكته ومن الناس والذي صار إليه بها نار جهنم. وأجرى الكلام على اللعنة والمراد بها ما صار إليه الكافر كما قد بينا من نظائر ذلك فيما مضى قبل. كما: حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، عن أبي العالية: { خالدين فيها } يقول: خالدين في جهنم في اللعنة. وأما قوله: { لا يخفف عنهم العذاب } فإنه خبر من الله تعالى ذكره عن دوام العذاب أبدا من غير توقيت ولا تخفيف، كما قال تعالى ذكره:
والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها
[فاطر: 36] وكما قال:
كلما نضجت جلودهم بدلنهم جلودا غيرها
[النساء: 56]. وأما قوله: { ولا هم ينظرون } فإنه يعني ولا هم ينظرون بمعذرة يعتذرون. كما: حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، عن أبي العالية: { ولا هم ينظرون } يقول: لا ينظرون فيعتذرون، كقوله:
هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون هذا يوم لا ينطقون * ولا يؤذن لهم فيعتذرون
[المرسلات: 35-36].
अज्ञात पृष्ठ