حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { يتلونه حق تلاوته } يعملون به حق عمله. حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا مؤمل بن إسماعيل، قال: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن مجاهد في قوله: { يتلونه حق تلاوته } قال: يتبعونه حق اتباعه. حدثني عمرو، قال: ثنا أبو قتيبة، قال: ثنا الحسن بن أبي جعفر، عن أبي أيوب، عن أبي الخليل، عن مجاهد: { يتلونه حق تلاوته } قال: يتبعونه حق اتباعه. حدثنا عمرو، قال: ثنا يحيى القطان، عن عبد الملك، عن عطاء قوله: { يتلونه حق تلاوته } قال: يتبعونه حق اتباعه، يعملون به حق عمله. حدثنا سفيان بن وكيع، قال: حدثني أبي، عن المبارك، عن الحسن: { يتلونه حق تلاوته } قال: يعملون بمحكمه ويؤمنون بمتشابهه، ويكلون ما أشكل عليهم إلى عالمه. حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { يتلونه حق تلاوته } قال: أحلوا حلاله، وحرموا حرامه، وعملوا بما فيه ذكر لنا أن ابن مسعود كان يقول: إن حق تلاوته أن يحل حلاله، ويحرم حرامه، وأن يقرأه كما أنزله الله عز وجل، ولا يحرفه عن مواضعه. حدثنا عمرو، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا الحكم بن عطية، سمعت قتادة يقول: { يتلونه حق تلاوته } قال: يتبعونه حق اتباعه، قال: اتباعه يحلون حلاله، ويحرمون حرامه، ويقرءونه كما أنزل. حدثنا المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم عن داود، عن عكرمة في قوله: { يتلونه حق تلاوته } قال: يتبعونه حق اتباعه، أما سمعت قول الله عز وجل:
والقمر إذا تلاها
[الشمس: 2] قال: إذا تبعها. وقال آخرون { يتلونه حق تلاوته }: يقرءونه حق قراءته. والصواب من القول في تأويل ذلك أنه بمعنى: يتبعونه حق اتباعه، من قول القائل: ما زلت أتلو أثره، إذا اتبع أثره لإجماع الحجة من أهل التأويل على أن ذلك تأويله. وإذا كان ذلك تأويله، فمعنى الكلام: الذين آتيناهم الكتاب يا محمد من أهل التوراة الذين آمنوا بك وبما جئتهم به من الحق من عندي، يتبعون كتابي الذي أنزلته على رسولي موسى صلوات الله عليه، فيؤمنون به، ويقرون بما فيه من نعتك وصفتك، وأنك رسولي فرض عليهم طاعتي في الإيمان بك والتصديق بما جئتهم به من عندي، ويعملون بما أحللت لهم، ويجتنبون ما حرمت عليهم فيه، ولا يحرفونه عن مواضعه ولا يبدلونه ولا يغيرونه كما أنزلته عليهم بتأويل ولا غيره. أما قوله: { حق تلاوته } فمبالغة في صفة اتباعهم الكتاب ولزومهم العمل به، كما يقال: إن فلانا لعالم حق عالم، وكما يقال: إن فلانا لفاضل كل فاضل.
وقد اختلف أهل العربية في إضافة «حق» إلى المعرفة، فقال بعض نحويي الكوفة: غير جائزة إضافته إلى معرفة لأنه بمعنى «أي»، وبمعنى قولك: «أفضل رجل فلان»، و«أفعل» لا يضاف إلى واحد معرفة لأنه مبعض، ولا يكون الواحد المبعض معرفة. فأحالوا أن يقال: «مررت بالرجل حق الرجل، ومررت بالرجل جد الرجل»، كما أحالوا «مررت بالرجل أي الرجل»، وأجازوا ذلك في «كل الرجل» و«عين الرجل» و«نفس الرجل »، وقالوا: إنما أجزنا ذلك لأن هذه الحروف كانت في الأصل توكيدا، فلما صرن مدوحا تركن مدوحا على أصولهن في المعرفة. وزعموا أن قوله: { يتلونه حق تلاوته } إنما جازت إضافته إلى التلاوة، وهي مضافة إلى معرفة لأن العرب تعتد بالهاء إذا عادت إلى نكرة بالنكرة، فيقولون: «مررت برجل واحد أمه، ونسيج وحده، وسيد قومه». قالوا: فكذلك قوله: { حق تلاوته } إنما جازت إضافة «حق» إلى التلاوة وهي مضافة إلى «الهاء»، لاعتداد العرب ب«الهاء» التي في نظائرها في عداد النكرات. قالوا: ولو كان ذلك حق التلاوة لوجب أن يكون جائزا: «مررت بالرجل حق الرجل»، فعلى هذا القول تأويل الكلام: الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوة. وقال بعض نحويي البصرة: جائزة إضافة حق إلى النكرات مع النكرات، ومع المعارف إلى المعارف وإنما ذلك نظير قول القائل: مررت بالرجل غلام الرجل، وبرجل غلام رجل. فتأويل الآية على قول هؤلاء: الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته. وأولى ذلك بالصواب عندنا القول الأول لأن معنى قوله: { حق تلاوته } أي تلاوة، بمعنى مدح التلاوة التي تلوها وتفضيلها. «وأي» غير جائزة إضافتها إلى واحد معرفة عند جميعهم، وكذلك «حق» غير جائزة إضافتها إلى واحد معرفة، وإنما أضيف في حق تلاوته إلى ما فيه الهاء لما وصفت من العلة التي تقدم بيانها. القول في تأويل قوله تعالى: { أولئك يؤمنون به }. قال أبو جعفر: يعني جل ثناءه بقوله: { أولئك } هؤلاء الذين أخبر عنهم أنهم يتلون ما آتاهم من الكتاب حق تلاوته. وأما قوله: { يؤمنون به } فإنه يعني يصدقون به. والهاء التي في قوله «به» عائدة على الهاء التي في «تلاوته»، وهما جميعا من ذكر الكتاب الذي قال الله: { الذين آتيناهم الكتاب } فأخبر الله جل ثناؤه أن المؤمن بالتوراة هو المتبع ما فيها من حلالها وحرامها، والعامل بما فيها من فرائض الله التي فرضها فيها على أهلها، وأن أهلها الذين هم أهلها من كان ذلك صفته دون من كان محرفا لها مبدلا تأويلها مغيرا سننها تاركا ما فرض الله فيها عليه . وإنما وصف جل ثناؤه من وصف بما وصف به من متبعي التوراة، وأثنى عليهم بما أثنى به عليهم لأن في اتباعها اتباع محمد نبي الله صلى الله عليه وسلم وتصديقه، لأن التوراة تأمر أهلها بذلك وتخبرهم عن الله تعالى ذكره بنبوته وفرض طاعته على جميع خلق الله من بني آدم، وإن في التكذيب بمحمد التكذيب لها.
فأخبر جل ثناؤه أن متبعي التوراة هم المؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم، وهم العاملون بما فيها. كما: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: { أولئك يؤمنون به } قال: من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم من بني إسرائيل، وبالتوراة، وأن الكافر بمحمد صلى الله عليه وسلم هو الكافر بها الخاسر، كما قال جل ثناؤه: { ومن يكفر به فاولئك هم الخاسرون }. القول في تأويل قوله تعالى: { ومن يكفر به فاولئك هم الخاسرون }. يعني جل ثناؤه بقوله: { ومن يكفر به } ومن يكفر بالكتاب الذي أخبر أنه يتلوه من آتاه من المؤمنين حق تلاوته. ويعني بقوله جل ثناؤه: { يكفر } يجحد ما فيه من فرائض الله ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وتصديقه، ويبدله، فيحرف تأويله أولئك هم الذين خسروا علمهم وعملهم فبخسوا أنفسهم حظوظها من رحمة الله واستبدلوا بها سخط الله وغضبه. وقال ابن زيد في قوله بما: حدثني به يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: { ومن يكفر به فاولئك هم الخاسرون } قال: من كفر بالنبي صلى الله عليه وسلم من يهود، { فاولئك هم الخاسرون }.
[2.122]
وهذه الآية عظة من الله تعالى ذكره لليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتذكير منه لهم ما سلف من أياديه إليهم في صنعه بأوائلهم استعطافا منه لهم على دينه، وتصديق رسوله محمد صلى الله عليه وسلم فقال: يا بني إسرائيل اذكروا أيادي لديكم، وصنائعي عندكم، واستنقاذي إياكم من أيدي عدوكم فرعون وقومه، وإنزالي عليكم المن والسلوى في تيهكم، وتمكيني لكم في البلاد، بعد أن كنتم مذللين مقهورين، واختصاصي الرسل منكم، وتفضيلي إياكم على عالم من كنتم بين ظهرانيه، أيام أنتم في طاعتي باتباع رسولي إليكم، وتصديقه وتصديق ما جاءكم به من عندي، ودعوا التمادي في الضلال والغي. وقد ذكرنا فيما مضى النعم التي أنعم الله بها على بني إسرائيل، والمعاني التي ذكرهم جل ثناءه من آلائه عندهم، والعالم الذي فضلوا عليه فيما مضى قبل، بالروايات والشواهد، فكرهنا تطويل الكتاب بإعادته، إذ كان المعنى في ذلك في هذا الموضع وهنالك واحدا.
[2.123]
وهذه الآية ترهيب من الله جل ثناؤه للذين سلفت عظته إياهم بما وعظهم به في الآية قبلها. يقول الله لهم: واتقوا يا معشر بني إسرائيل المبدلين كتابي وتنزيلي، المحرفين تأويله عن وجهه، المكذبين برسولي محمد صلى الله عليه وسلم، عذاب يوم لا تقضي فيه نفس عن نفس شيئا، ولا تغني عنها غناء، أن تهلكوا على ما أنتم عليه من كفركم بي، وتكذيبكم رسولي، فتموتوا عليه فإنه يوم لا يقبل من نفس فيما لزمها فدية، ولا يشفع فيما وجب عليها من حق لها شافع، ولا هم ينصرهم ناصر من الله إذا انتقم منها بمعصيتها إياه. وقد مضى البيان عن كل معاني هذه الآية في نظيرتها قبل، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع.
[2.124]
अज्ञात पृष्ठ