जामे बयान

अल-तबरी d. 310 AH
176

जामे बयान

جامع البيان في تفسير القرآن

[المائدة: 25] فكانت عجلة من موسى عجلها فقال الله تعالى:

إنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض

[المائدة: 26] فلما ضرب عليهم التيه ندم موسى، وأتاه قومه الذين كانوا معه يطيعونه، فقالوا له: ما صنعت بنا يا موسى؟ فلما ندم أوحى الله إليه أن لا تأس على القوم الفاسقين أي لا تحزن على القوم الذين سميتهم فاسقين.

فلم يحزن. فقالوا: يا موسى كيف لنا بماء ههنا، أين الطعام؟ فأنزل الله عليهم المن، فكان يسقط على شجر الترنجبين، والسلوى: وهو طير يشبه السماني، فكان يأتي أحدهم، فينظر إلى الطير إن كان سمينا ذبحه، وإلا أرسله، فإذا سمن أتاه. فقالوا: هذا الطعام، فأين الشراب؟ فأمر موسى فضرب بعصاه الحجر، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، فشرب كل سبط من عين، فقالوا: هذا الطعام والشراب، فأين الظل؟ فظلل عليهم الغمام، فقالوا: هذا الظل فأين اللباس؟ فكانت ثيابهم تطول معهم كما تطول الصبيان، ولا يتخرق لهم ثوب، فذلك قوله: { وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى } وقوله:

وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم

[البقرة : 60] حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما تاب الله عز وجل على بني إسرائيل وأمر موسى أن يرفع عنهم السيف من عبادة العجل، أمر موسى أن يسير بهم إلى الأرض المقدسة، وقال: إنني قد كتبتها لكم دارا وقرارا ومنزلا، فاخرج إليها وجاهد من فيها من العدو فإني ناصركم عليهم فسار بهم موسى إلى الأرض المقدسة بأمر الله عز وجل، حتى إذا نزل التيه بين مصر والشام وهي أرض ليس فيها خمر ولا ظل، دعا موسى ربه حين آذاهم الحر، فظلل عليهم بالغمام، ودعا لهم بالرزق، فأنزل الله لهم المن والسلوى. حدثني المثنى بن إبراهيم، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس. وحدثت عن عمار بن الحسن، ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: { وظللنا عليكم الغمام } قال: ظلل عليهم الغمام في التيه: تاهوا في خمسة فراسخ أو ستة، كلما أصبحوا ساروا غادين، فأمسوا فإذا هم في مكانهم الذي ارتحلوا منه، فكانوا كذلك حتى مرت أربعون سنة. قال: وهم في ذلك ينزل عليهم المن والسلوى ولا تبلى ثيابهم، ومعهم حجر من حجارة الطور يحملونه معهم، فإذا نزلوا ضربه موسى بعصاه، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: حدثني عبد الصمد، قال: سمعت وهبا يقول: إن بني إسرائيل لما حرم الله عليهم أن يدخلوا الأرض المقدسة أربعين سنة يتيهون في الأرض شكوا إلى موسى، فقالوا: ما نأكل؟ فقال: إن الله سيأتيكم بما تأكلون. قالوا: من أين لنا إلا أن يمطر علينا خبزا؟ قال: إن الله عز وجل سينزل عليكم خبزا مخبوزا. فكان ينزل عليهم المن.

سئل وهب: ما المن؟ قال: خبز الرقاق مثل الذرة أو مثل النقي قالوا: وما نأتدم، وهل بد لنا من لحم؟ قال: فإن الله يأتيكم به. فقالوا: من أين لنا إلا أن تأتينا به الريح؟ قال: فإن الريح تأتيكم به، وكانت الريح تأتيهم بالسلوى فسئل وهب: ما السلوى؟ قال: طير سمين مثل الحمام كانت تأتيهم فيأخذون منه من السبت إلى السبت قالوا: فما نلبس؟ قال: لا يخلق لأحد منكم ثوب أربعين سنة. قالوا: فما نحتذي؟ قال: لا ينقطع لأحدكم شسع أربعين سنة، قالوا: فإن فينا أولادا فما نكسوهم؟ قال: ثوب الصغير يشب معه. قالوا: فمن أين لنا الماء؟ قال: يأتيكم به الله. قالوا: فمن أين؟ إلا أن يخرج لنا من الحجر. فأمر الله تبارك وتعالى موسى أن يضرب بعصاه الحجر. قالوا: فبم نبصر؟ تغشانا الظلمة. فضرب لهم عمود من نور في وسط عسكرهم أضاء عسكرهم كله، قالوا: فبم نستظل؟ فإن الشمس علينا شديدة قال: يظلكم الله بالغمام. حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال ابن زيد، فذكر نحو حديث موسى بن هارون عن عمرو بن حماد، عن أسباط، عن السدي. حدثني القاسم بن الحسن، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قال: قال ابن جريج، قال: عبد الله بن عباس: خلق لهم في التيه ثياب لا تخلق ولا تدرن. قال: وقال ابن جريج: إن أخذ الرجل من المن والسلوى فوق طعام يوم فسد، إلا أنهم كانوا يأخذون في يوم الجمعة طعام يوم السبت فلا يصبح فاسدا. القول في تأويل قوله تعالى: { كلوا من طيبات ما رزقناكم }. وهذا مما استغني بدلالة ظاهره على ما ترك منه، وذلك أن تأويل الآية: وظللنا عليكم الغمام، وأنزلنا عليكم المن والسلوى، وقلنا لكم: كلوا من طيبات ما رزقناكم. فترك ذكر قوله: «وقلنا لكم...» لما بينا من دلالة الظاهر في الخطاب عليه. وعنى جل ذكره بقوله: { كلوا من طيبات ما رزقناكم } كلوا من مشتهيات رزقنا الذي رزقناكموه. وقد قيل عنى بقوله: { من طيبات ما رزقناكم } من حلاله الذي أبحناه لكم، فجعلناه لكم رزقا. والأول من القولين أولى بالتأويل لأنه وصف ما كان القوم فيه من هنيء العيش الذي أعطاهم، فوصف ذلك بالطيب الذي هو بمعنى اللذة أحرى من وصفه بأنه حلال مباح. و«ما» التي مع «رزقناكم» بمعنى «الذي » كأنه قيل: كلوا من طيبات الرزق الذي رزقناكموه. القول في تأويل قوله تعالى: { وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون }. وهذا أيضا من الذي استغني بدلالة ظاهره على ما ترك منه. وذلك أن معنى الكلام: كلوا من طيبات ما رزقناكم، فخالفوا ما أمرناهم به، وعصوا ربهم ثم رسولنا إليهم، وما ظلمونا. فاكتفى بما ظهر عما ترك. وقوله: { وما ظلمونا } يقول: وما ظلمونا بفعلهم ذلك ومعصيتهم، { ولكن كانوا أنفسهم يظلمون }.

ويعني بقوله: { وما ظلمونا }: وما وضعوا فعلهم ذلك وعصيانهم إيانا موضع مضرة علينا ومنقصة لنا، ولكنهم وضعوه من أنفسهم موضع مضرة عليها ومنقصة لها. كما: حدثت عن المنجاب، قال: ثنا بشر، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: { وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } قال: يضرون. وقد دللنا فيما مضى على أن أصل الظلم وضع الشيء في غير موضعه بما فيه الكفاية، فأغنى ذلك عن إعادته. وكذلك ربنا جل ذكره لا تضره معصية عاص، ولا يتحيف خزائنه ظلم ظالم، ولا تنفعه طاعة مطيع، ولا يزيد في ملكه عدل عادل بل نفسه يظلم الظالم، وحظها يبخس العاصي، وإياها ينفع المطيع، وحظها يصيب العادل.

[2.58]

والقرية التي أمرهم الله جل ثناؤه أن يدخلوها، فيأكلوا منها رغدا حيث شاءوا فيما ذكر لنا: بيت المقدس. ذكر الرواية بذلك: حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أنبأنا عبد الرزاق، قال: أنبأنا معمر، عن قتادة في قوله: { ادخلوا هذه القرية } قال: بيت المقدس. حدثني موسى بن هارون، قال: حدثني عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: { وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية } أما القرية فقرية بيت المقدس. حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: { وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية } يعني بيت المقدس. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سألته يعني ابن زيد عن قوله: { ادخلوا هذه القرية فكلوا منها } قال: هي أريحا، وهي قريبة من بيت المقدس. القول في تأويل قوله تعالى: { فكلوا منها حيث شئتم رغدا }. يعني بذلك: فكلوا من هذه القرية حيث شئتم عيشا هنيا واسعا بغير حساب. وقد بينا معنى الرغد فيما مضى من كتابنا، وذكرنا أقوال أهل التأويل فيه. القول في تأويل قوله تعالى: { وادخلوا الباب سجدا }. أما الباب الذي أمروا أن يدخلوه، فإنه قيل: هو باب الحطة من بيت المقدس. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو الباهلي، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { ادخلوا الباب سجدا } قال: باب الحطة من باب إيلياء من بيت المقدس. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: { وادخلوا الباب سجدا } أما الباب فباب من أبواب بيت المقدس. حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال حدثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس قوله: { وادخلوا الباب سجدا } أنه أحد أبواب بيت المقدس، وهو يدعى باب حطة. وأما قوله: { سجدا } فإن ابن عباس كان يتأوله بمعنى الركع. حدثني محمد بن بشار، قال: ثنا أبو أحمد الزبيري، قال: ثنا سفيان عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: { ادخلوا الباب سجدا } قال: ركعا من باب صغير. حدثنا الحسن بن الزبرقان النخعي، قال: ثنا أبو أسامة، عن سفيان، عن الأعمش، عن المنهال، عن سعيد، عن ابن عباس في قوله: { ادخلوا الباب سجدا } قال: أمروا أن يدخلوا ركعا. وأصل السجود: الانحناء لمن سجد له معظما بذلك، فكل منحن لشيء تعظيما له فهو ساجد، ومنه قول الشاعر:

अज्ञात पृष्ठ