[الأنعام: 9] إن قال لنا قائل: وكيف كانوا يلبسون الحق بالباطل وهم كفار، وأي حق كانوا عليه مع كفرهم بالله؟ قيل: إنه كان فيهم منافقون منهم يظهرون التصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم ويستبطنون الكفر به، وكان أعظمهم يقولون: محمد نبي مبعوث إلا أنه مبعوث إلى غيرنا. فكان لبس المنافق منهم الحق بالباطل إظهاره الحق بلسانه وإقراره لمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به جهارا، وخلطه ذلك الظاهر من الحق بالباطل الذي يستبطنه. وكان لبس المقر منهم بأنه مبعوث إلى غيرهم الجاحد أنه مبعوث إليهم إقراره بأنه مبعوث إلى غيرهم وهو الحق، وجحوده أنه مبعوث إليهم وهو الباطل، وقد بعثه الله إلى الخلق كافة. فذلك خلطهم الحق بالباطل ولبسهم إياه به. كما: حدثنا به أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روح، عن الضحاك، عن ابن عباس قوله: { ولا تلبسوا الحق بالبطل } قال: لا تخلطوا الصدق بالكذب. وحدثني المثنى، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: { ولا تلبسوا الحق بالبطل } يقول: لا تخلطوا الحق بالباطل، وأدوا النصيحة لعباد الله في أمر محمد عليه الصلاة والسلام. وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج ، قال: قال ابن جريج، قال مجاهد: { ولا تلبسوا الحق بالبطل } اليهودية والنصرانية بالإسلام. وحدثني يونس ابن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: { ولا تلبسوا الحق بالبطل } قال: الحق: التوراة الذي أنزل الله على موسى، والباطل: الذي كتبوه بأيديهم. القول في تأويل قوله تعالى: { وتكتموا الحق وأنتم تعلمون }. قال أبو جعفر: وفي قوله: { وتكتموا الحق } وجهان من التأويل: أحدهما أن يكون الله جل ثناؤه نهاهم عن أن يكتموا الحق كما نهاهم أن يلبسوا الحق بالباطل. فيكون تأويل ذلك حينئذ: ولا تلبسوا الحق بالباطل، ولا تكتموا الحق. ويكون قوله: { وتكتموا } عند ذلك مجزوما بما جزم به «تلبسوا» عطفا عليه.
والوجه الآخر منهما أن يكون النهي من الله جل ثناؤه لهم عن أن يلبسوا الحق بالباطل، ويكون قوله: { وتكتموا الحق } خبرا منه عنهم بكتمانهم الحق الذي يعلمونه، فيكون قوله: «وتكتموا» حينئذ منصوبا، لانصرافه عن معنى قوله: { ولا تلبسوا الحق بالبطل } إذ كان قوله: { ولا تلبسوا } نهيا، وقوله: { وتكتموا الحق } خبرا معطوفا عليه غير جائز أن يعاد عليه ما عمل في قوله: { تلبسوا } من الحرف الجازم، وذلك هو المعنى الذي يسميه النحويون صرفا. ونظير ذلك في المعنى والإعراب قول الشاعر:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم
فنصب «تأتي» على التأويل الذي قلنا في قوله: { وتكتموا } الآية، لأنه لم يرد: لا تنه عن خلق ولا تأت مثله، وإنما معناه: لا تنه عن خلق وأنت تأتي مثله. فكان الأول نهيا والثاني خبرا، فنصب الخبر إذ عطفه على غير شكله. فأما الوجه الأول من هذين الوجهين اللذين ذكرنا أن الآية تحتملهما، فهو على مذهب ابن عباس الذي: حدثنا به أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس قوله: { وتكتموا الحق } يقول: ولا تكتموا الحق وأنتم تعلمون. وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة بن الفضل، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: { وتكتموا الحق }: أي ولا تكتموا الحق. وأما الوجه الثاني منهما فهو على مذهب أبي العالية ومجاهد. حدثني المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: { وتكتموا الحق وأنتم تعلمون } قال: كتموا بعث محمد صلى الله عليه وسلم. وحدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى بن ميمون، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه. وحدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه. وأما تأويل الحق الذي كتموه وهم يعلمونه، فهو ما: حدثنا به ابن حميد، قال: حدثنا سلمة عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: { وتكتموا الحق } يقول: لا تكتموا ما عندكم من المعرفة برسولي وما جاء به، وأنتم تجدونه عندكم فيما تعلمون من الكتب التي بأيديكم. وحدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: { وتكتموا الحق } يقول: إنكم قد علمتم أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاهم عن ذلك. وحدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: { وتكتموا الحق وأنتم تعلمون } قال: يكتم أهل الكتاب محمدا، وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل.
وحدثني المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. وحدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط عن السدي: { وتكتموا الحق وأنتم تعلمون } قال: الحق هو محمد صلى الله عليه وسلم. وحدثني المثنى، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: { وتكتموا الحق وأنتم تعلمون } قال: كتموا بعث محمد صلى الله عليه وسلم وهم يجدونه مكتوبا عندهم. وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين ، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: تكتمون محمدا وأنتم تعلمون، وأنتم تجدونه عندكم في التوراة والإنجيل. فتأويل الآية إذا: ولا تخلطوا على الناس أيها الأحبار من أهل الكتاب في أمر محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عند ربه، وتزعموا أنه مبعوث إلى بعض أجناس الأمم دون بعض أو تنافقوا في أمره، وقد علمتم أنه مبعوث إلى جميعكم، وجميع الأمم غيركم، فتخلطوا بذلك الصدق بالكذب، وتكتموا به ما تجدونه في كتابكم من نعته وصفته، وأنه رسولي إلى الناس كافة، وأنتم تعلمون أنه رسولي، وأن ما جاء به إليكم فمن عندي، وتعرفون أن من عهدي الذي أخذت عليكم في كتابكم الإيمان به وبما جاء به والتصديق به.
[2.43]
قال أبو جعفر: ذكر أن أحبار اليهود والمنافقين كانوا يأمرون الناس بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولا يفعلونه فأمرهم الله بإقام الصلاة مع المسلمين المصدقين بمحمد وبما جاء به، وإيتاء زكاة أموالهم معهم وأن يخضعوا لله ولرسوله كما خضعوا كما: حدثت عن عمار بن الحسن، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة في قوله: { وأقيموا الصلوة وآتوا الزكوة } قال: فريضتان واجبتان، فأدوهما إلى الله. وقد بينا معنى إقامة الصلاة فيما مضى من كتابنا هذا فكرهنا إعادته. أما إيتاء الزكاة: فهو أداء الصدقة المفروضة وأصل الزكاة: نماء المال وتثميره وزيادته. ومن ذلك قيل: زكا الزرع: إذا كثر ما أخرج الله منه وزكت النفقة: إذا كثرت. وقيل: زكا الفرد، إذا صار زوجا بزيادة الزائد عليه حتى صار به شفعا، كما قال الشاعر:
كانوا خسا أو زكا من دون أربعة
لم يخلقوا وجدود الناس تعتلج
अज्ञात पृष्ठ