وكذلك وجب عليه ما أحل بنفسه من معصيته الذي لم يزل، وقد جعل الله الكفر خلافا للإيمان، وقد بين ذلك فقال: {إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا * إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا}. وقال: {ليبلوني أأشكر أم أكفر}، وقال:{واشكروا لي ولا تكفرون}، فجعل الشكر طاعة وإيمانا، والكفر معصية، والعاصي مجزي بما عصى، والمطيع مجزي بما أطاع، وقد جعل الله ذلك كذلك، وعلمه وأتقنه وبينه.
وقال: {حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان}، وذلك كله تدبير الله تعالى.
فإن قال قائل: إن فاعل الظلم ظالم، فلما كان الله تعالى أحكم الحاكمين علمنا أنه غير فاعل للظلم.
قيل له: تعالى الله أن يفعل الظلم على وجه ما يفعله العباد، ولا يأمر بالظلم ولا الفحشاء، بل يأمر بالعدل والإحسان، وينهى عن الفحشاء والمنكر.
وقال: {لا تظلمون ولا تظلمون}، وقال: {وما للظالمين من أنصار}، والله تعالى لا ينسب إليه الظلم، و{لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون}.
فأما خلق الظلم فالله تعالى قد قال: {خالق كل شيء}، {وجعل الظلمات والنور}، وقال: {يخرجهم من الظلمات إلى النور}، فهو خالق لجميع المخلوقات كلها.
وقد قال: {هل من خالق غير الله} ممتدحا أنه لا خالق غيره، فقد جعل الظلم ظلما من الظالم فعلا مكتسبا له؛ لأن العبد لم يخلقه ولكن اكتسبه، وقد قال الله: {ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه}.
पृष्ठ 125