والاستكانة والتواضع ونفي الأنفة، ولهذا لم يجز أن يقال: إن العباد يؤمرون الله وينهون بدعائهم له ومسألتهم إياه، وقد ذهب بعض المعتزلة إلى أن الأمر والمسألة يقعان على حد واحد، فزعموا أنه لم يسم دعاء الله، ومسألته أمرا استعظاما لله تعالى، وكأنهم ذهبوا إلى أن قائلا لو قال ذلك لم يكن مخطئا. ولسنا نذهب إلى ذلك بالذي نختاره: إنما يطلق له اسم المسألة والدعاء، ويقع على غير حد الأمر والنهي، ووجدت بعض من يتخصص بالنحو يذكر أن لفظ الأمر والنهي على وجهين، فما كان لمن هو دونك فهو أمر ونهي، وما كان لمن هو فوقك (¬1) فهو مسألة.
وقال بعضهم: وما كان لله فهو دعاء كأنه يذهب إلى أن يسأل (¬2) الله عز وجل أن يفعله، فهو وإن كان مسألة فهو دعاء أيضا، وإن كان مسألة الله عز وجل تخص بهذه (¬3) الصفة ويفرد بها وهذا وجه شائع، ألا ترى أنك تقول: دعوت الله بكذا غير قولك دعوت فلانا إلى كذا.
وأما مسألة الله للعبد فهو عندي والله أعلم إنها للترفق والاستعطاف، والدلالة على موضع الحض مثل قوله: ? { ولا يسألكم أموالا إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا } (¬4) وقوله: { ?إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم } . (¬5)
¬__________
(¬1) علم المعاني من البلاغة: باب الانشاء: منها الأمر، وهو طلب إلى الفعل على وجه الاستعلاء، وقد تخرج صيغ الأمر إلى معان أخرى مثل الدعاء كقوله تعالى: ((ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا)) الكهف: 16، وقوله عز وجل: ((فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الحجيم)) غافر: 7.
(¬2) في (ج) إلى أن ما يسأل.
(¬3) في (ج) بهذا.
(¬4) سورة محمد: 36 37.
(¬5) التغابن: 17.
पृष्ठ 85