263

وذلك أن خبرك ورد بتحريم الإهاب، ونحن فلا نبيح استعماله مع استحقاق اسم الإهاب، ولا نجيز استعماله حتى يزول عنه اسم الإهاب؛ لأن العرب إنما تسمي الجلد إهابا ما لم يدبغ، فإذا دبغ سموه أديما فنحن لم نبح استعماله إلابعد زوال اسم الإهاب عنه. والدليل على صحة ما قلناه من اللغة قول الشاعر حيث عاب رجلا ووضع منه وعيره (¬1) إذ كان فقيرا ثم استغنى فقال شعرا:

قد كان نعلك قبل اليوم من أهب فصرت تخطر (¬2) في نعل من الأدم.

فهذا يبين ما قلناه وبالله التوفيق.

واتفق أصحابنا فيما علمت على استعمال صوف الميتة وشعرها وريشها وخالفنا الشافعي في ذلك فحرم الشعر والوبر والصوف والعظام والقرن، واحتج بقول الله عز وجل: { حرمت عليكم الميتة } (¬3) ، قال: فاسم الميتة مشتمل على جميعها، لا فرق بين شعرها وصوفها ولحمها لعموم الآية، يقال: إن الله تعالى لم يشر إلى عين بعينها، وإنما تركنا مع الاسم فكل ما وقع عليه اسم ميتة فهو محرم تناوله، لم تقم الدلالة على استحقاقه اسم الميتة، والتحريم غير واقع عليه؛ وقد تنازع الناس في وقوع اسم الميتة على الشعر والوبر، ولا دليل يدل على وقوع اسم ميتة عليه: فمن تعلق بعموم الآية قوبل بعموم مثله، وهو قول الله تعالى: { ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين } (¬4) ، ولم يخص بعد هذا العموم الميتة ولا غيرها، فإن قال: { من أصوافها وأوبارها وأشعارها } إذا لم تكن ميتة، قيل له: حرمت عليكم الميتة إلا الصوف والشعر والوبر، ويكون كل منا متعلق بالعموم يطلب به، والصحيح ما قال أصحابنا. الدليل على صحة مقالتهم أن الشعر والوبر والصوف والعظم والقرن لم يدخل في ذلك التحريم عند قوله: { حرمت عليكم الميتة } (¬5) لما روي عن النبي صلى الله

¬__________

(¬1) في (ج) وغيره.

(¬2) في المنجد: مشى وهو يرفع يديه ويضعها.

(¬3) المائدة: 3.

(¬4) النحل: 80.

(¬5) المائدة: 3.

पृष्ठ 263