فإن قال قائل: أما ما ذكرتم في الخفض لا يوجب مسحا، ألا ترى أن العرب قد تكلم بمثل هذا، يقول قائلهم: تقلدت سيفا ورمحا، وأكلت خبزا ولبنا، وعلفت الدابة تبنا وماء. ومعلوم أن الرمح لا يتقلد، والماء لا يعلف، واللبن لا يؤكل. وإذا كان هذا هكذا، كان قوله عز وجل: { ?وأرجلكم } ?لا يوجب مسحا وإنما يوجب غسلا، ألا ترى إلى قول العرب: جحر ضب خرب، فخفض من طريق المجاورة، لأنه معطوف على ما يقتضي في الحكم، قيل له: لسنا ننكر أن ترد هذه اللفظة في باب العطف، فلا يراد بها أن يكون حكمها حكم ما عطف عليها عند قيام الدلالة، وإنما ينتقل ذلك عند الضرورات. فلو أمكن لنا لتقلدنا الرمح ولعلفنا الدواب بالماء (¬1) . لم ينقل عن موضع (نسختين) عن موجب العطف، ولما أن كان الخراب لا يكون (¬2) إلا للبقاع، والضب لا يوصف إلا بالخراب، نقل ذلك ضرورة، وليس لمستنكر أن يؤمر بمسح الرجلين؛ إذ ذلك جائز فيهما بحكم المعطوف أن يكون على ما تقدم من المذكور؛ وأن يكون حكمه حكمه. ألا ترى إذا قال العربي: ضربت زيدا وعمرا والضرب ممكن فيهما، يوجب أن يحكم أنهما مضروبان، وإن كانت اللغة، يقال: ضربت زيدا وعمرا أكرمت، إلا أن الظاهر من اللفظ ما قلناه.
وإذا كان ذلك كذلك، وجب على المتوضئ أن يأتي بغسل يشتمل على مسح لا يجزي، لعله لأن يجزي أحدهما عن الآخر، بموجب القراءتين والله أعلم.
¬__________
(¬1) في (ج) الأميا.
(¬2) في (ج) يوصف.
पृष्ठ 188