أخرى تحوي من تراث ابن عاشور العلمي والفكري قدرًا غير يسير، وخاصة مكتبته الزاخرة بالمرسى في تونس. ولعل قادمَ الأيام أن يزيل عن ذلك حجبَ الستر، وينفض عنه غبارَ السنين، فيخرج من زوايا النسيان والإهمال، فنزيد معرفةً بمدى سعة ذلك التراث وتنوعه وغناه وبما ينطوي عليه من قضايا وإشكالات.
ذلك عن الجانب الكمي لعملنا في هذا المجموع. أما الجانب المنهجي الخاص بتصنيف مادته وترتيبها فقد ترددنا فيه بين طريقتين: إما أن نتبع نهجًا زمنيًّا خطّيًّا تندرج فيه المقالاتُ والرسائل وغيرها حسب تاريخ نشرها من الأقدم إلى الأحدث، وهو نهجٌ مفيد يمكن أن يوقفنا على التطور العلمي والفكري لكاتبها، وأن يُبِينَ عن أثر تقدم السن وتراكم الخبرة في تحديد القضايا التي عالجها، وفي تشكيل الرؤية أو الرؤى التي بلورها. أما الطريقةُ الثانية فهي أن نسلك في تصنيفها وتبويبها نهجًا موضوعيًّا تتوزع فيه وفقًا لطبيعة المجالات العلمية التي تنتمي إليها تلك المقالاتُ والرسائل وما لحق بها، فترتسم لنا بذلك صورةٌ كلية للمشاغل العلمية والقضايا الفكرية والهموم العملية التي استبدت بعقل ابن عاشور خلال مسيرة علمية وعملية امتدت لما لا يقل عن ستة عقود. وقد رجح لدينا الخيارُ الثاني لما لا يخفى من جدواه في إدراك الجوانب المختلفة لعطائه العلمي وإسهامه الفكري، دون أن يعنيَ هذا الترجيحُ تهوينًا لجدوى الخيار الأول.
وبناءً على هذا النهج الموضوعي الذي رجحناه، اجتهدنا في توزيع مادة هذا المجموع على خمسة محاور كبرى يندرج في كل محورٍ منها جملةٌ من الفروع. فكان المحور الأول للمقالات الخاصة بمسائل العقيدة والتفسير والفكر والحكمة، وقد أقمناه على فرعين، الأول للعقيدة والتفسير (ومسائل التفسير التي عرض لها ابن عاشور هي أساسًا مسائل عقدية)، والثاني للفكر والحكمة. أما المحور الثاني فتنضوي فيه المقالاتُ الخاصة بفقه السنة بمعناها العام الذي يشمل الحديث والسيرة، ومن ثم انتظم هذا المحور في فرعين: الأول لفقه الحديث، والثاني لفقه السيرة. ثم خصصنا المحورَ الثالث لمسائل أصول الفقه والفقه والفتوى، وهو كذلك يشتمل
1 / 22