صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ ذَكَرَ السَّلَامَ بِطَرِيقِ الْعَامِّ فِي هَذَا الْمَقَامِ عَلَى جَمِيعِ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ لِتَعُمَّ بَرَكَاتُهُمْ عَلَيْنَا أَجْمَعِينَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ آمِينَ، وَفِي ذِكْرِ هَذَا الْعَامِّ إِشَارَةٌ لَطِيفَةٌ إِلَى الْخَاصِّ بِالشَّمَائِلِ الْمُصْطَفَوِيَّةِ عَلَى صَاحِبِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَكْمَلُ التَّحِيَّةِ.
(قَالَ الشَّيْخُ): هُوَ مَنْ كَانَ أُسْتَاذًا كَامِلًا فِي فَنٍّ يَصِحُّ أَنْ يُقْتَدَى بِهِ وَلَوْ كَانَ شَابًّا، وَأَمَّا قَوْلُ مَوْلَانَا عِصَامِ الدِّينِ: وَنَحْنُ نَقُولُ الشَّيْخُ فِي اللُّغَةِ مِنَ الْخَمْسِينَ إِلَى الثَّمَانِينَ، وَهُوَ السَّنُّ الَّذِي يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ إِسْمَاعُ الْحَدِيثِ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ فَخِلَافُ الصَّحِيحِ ; لِأَنَّ مَدَارَ صِحَّةِ الْإِسْمَاعِ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْمُحَدِّثِ وَاحْتِيَاجِ النَّاسِ إِلَيْهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الصَّحَابَةِ حَدَّثُوا فِي زَمَنِ شَبَابِهِمْ وَجَمَاعَةً مِنْ أَحْدَاثِ التَّابِعِينَ رَوَوْا لِأَصْحَابِهِمْ، وَقَدْ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ فِي حَقِّ الْبُخَارِيِّ: يَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّابِّ وَاكْتُبُوا عَنْهُ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ فِي زَمَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ لَاحْتَاجَ إِلَيْهِ لِمَعْرِفَتِهِ بِالْحَدِيثِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَمَّا بَلَغَ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً رَدَّ عَلَى بَعْضِ مَشَايِخِهِ غَلَطًا وَقَعَ لَهُ فِي سَنَدٍ حَتَّى أَصْلَحَ كِتَابَهُ مِنْ حِفْظِ الْبُخَارِيِّ، وَقَدْ أَفَادَ مَالِكٌ وَهُوَ ابْنُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً أَوْ عِشْرُونَ سَنَةً، وَالشَّافِعِيُّ تَلْمَذَهُ الْعُلَمَاءُ وَهُوَ فِي حَدَاثَةِ السِّنِّ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ
لَمْ يَبْلُغِ الْأَرْبَعِينَ، قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ، وَقَالَ ابْنُ خَلَّادٍ: إِذَا بَلَغَ الْخَمْسِينَ وَلَا يُنْكَرُ عِنْدَ الْأَرْبَعِينَ وَتُعِقِّبَ بِمَنْ حَدَّثَ قَبْلَهَا كَمَالِكٍ. (الْحَافِظُ): الْمُرَادُ بِهِ حَافِظُ الْحَدِيثِ لَا الْقُرْآنِ، كَذَا ذَكَرَهُ مِيرَكُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ حَافِظًا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، ثُمَّ الْحَافِظُ فِي اصْطِلَاحِ الْمُحَدِّثِينَ: مَنْ أَحَاطَ عِلْمُهُ بِمِائَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ مَتْنًا وَإِسْنَادًا، وَالطَّالِبُ هُوَ: الْمُبْتَدِئُ الرَّاغِبُ فِيهِ، وَالْمُحَدِّثُ وَالشَّيْخُ وَالْإِمَامُ هُوَ: الْأُسْتَاذُ الْكَامِلُ، وَالْحُجَّةُ: مَنْ أَحَاطَ عِلْمُهُ بِثَلَاثِمِائَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ مَتْنًا وَإِسْنَادًا، وَأَحْوَالِ رُوَاتِهِ جَرْحًا وَتَعْدِيلًا وَتَارِيخًا، وَالْحَاكِمُ هُوَا: الَّذِي أَحَاطَ عِلْمُهُ بِجَمِيعِ الْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ كَذَلِكَ، وَقَالَ الْجَزَرِيُّ: الرَّاوِي نَاقِلُ الْحَدِيثِ بِالْإِسْنَادِ، وَالْمُحَدِّثُ: مَنْ تَحَمَّلَ رِوَايَتَهُ وَاعْتَنَى بِدِرَايَتِهِ، وَالْحَافِظُ: مَنْ رَوَى مَا يَصِلُ إِلَيْهِ وَوَعَى مَا يَحْتَاجُ لَدَيْهِ.
(أَبُو عِيسَى): قَالَ فِي شَرْحِ شِرْعَةِ الْإِسْلَامِ: وَلَا يُسَمَّى مَنْ وَلَدُهُ عِيسَى أَبَا عِيسَى لِإِيهَامِهِ أَنَّ لِعِيسَى ﵇ أَبًا ; لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا تَسَمَّى أَبَا عِيسَى فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: " إِنَّ عِيسَى لَا أَبَ لَهُ " فَكَرِهَ ذَلِكَ، انْتَهَى. لَكِنْ تُحْمَلُ الْكَرَاهَةُ عَلَى تَسْمِيَتِهِ ابْتِدَاءً بِهِ، فَأَمَّا مَنِ اشْتُهِرَ بِهِ فَلَا يُكْرَهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إِجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ وَالْمُصَنِّفِينَ عَلَى تَعْبِيرِ التِّرْمِذِيِّ بِهِ لِلتَّمْيِيزِ. (مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى): مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ وَلَوْ نُصِبَ عَلَى الْمَدْحِ جَازَ (بْنِ سَوْرَةَ): بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّهُ صِفَةُ عِيسَى وَيَجُوزُ رَفْعُهُ عَلَى حَذْفِ مُبْتَدَئِهِ وَنَصْبُهُ لِمَا تَقَدَّمَ، وَسَوْرَةُ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا وَاوٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ رَاءٌ وَفِي آخِرِهَا هَاءٌ ; عَلَى وَزْنِ طَلْحَةَ وَأَصْلُهَا لُغَةً الْحِدَّةُ، ابْنِ عِيسَى بْنِ الضَّحَّاكِ السُّلَمِيِّ بِضَمِّ السِّينِ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي سُلَيْمٍ مُصَغَّرٌ قَبِيلَةٍ مِنْ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ، وَهُوَ أَحَدُ أَئِمَّةِ عَصْرِهِ وَأَجِلَّةِ حُفَّاظِ دَهْرِهِ قِيلَ وُلِدَ أَكْمَهَ سَمِعَ خَلْقًا كَثِيرًا مِنَ الْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ وَحُفَّاظِ مَشَايِخِ الْإِسْلَامِ مِثْلَ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ وَالْبُخَارِيِّ وَالدَّارِمِيِّ وَنُظَرَائِهِمْ، وَجَامِعُهُ دَالٌّ عَلَى اتِّسَاعِ حِفْظِهِ وَوُفُورِ عِلْمِهِ فَإِنَّهُ كَافٍ لِلْمُجْتَهِدِ وَشَافٍ لِلْمُقَلِّدِ. وَنُقِلَ عَنِ الشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: جَامِعُ التِّرْمِذِيُّ عِنْدِي أَنْفَعُ مِنْ كِتَابِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ. وَمِنْ مَنَاقِبِهِ أَنَّ الْإِمَامَ الْبُخَارِيَّ رَوَى عَنْهُ حَدِيثًا وَاحِدًا خَارِجَ الصَّحِيحِ وَأَعْلَى مَا وَقَعَ لَهُ فِي الْجَامِعِ حَدِيثٌ ثُلَاثِيُّ الْإِسْنَادِ وَهُوَ قَوْلُهُ ﷺ: " يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ (التِّرْمِذِيُّ): بِالرَّفْعِ وَيَجُوزُ فِيهِ
1 / 6