كلانا به عرٌّ فمن يرنا يقل ... على حسنها جرباء تعدي وأجرب
نكون لذي مالٍ كثير مغفّل ... فلا هو يرعانا ولا نحن نطلب
إذا ما وردا منهلًا صاحب أهله ... علينا فما ننفكّ نجفى ونضرب
ويحك؟! لقد أردت بي الشنعاء، ما وجدت أمنية أوطأ من هذه؟ فخرج من عندها خجلًا.
وكثير إن قبح في هذا فقد ملح في قوله:
فليت قلوصي عند عزّة قيّدت ... بقيد ضعيفٍ غرّ منها فضلّت
وغودر في الحيّ المقيمين رحلها ... وكان لها باغٍ سواي وندّت
وكنت كذي رجلين رجل صحيحة ... وأخرى رمى فيها الزمان فشلّت
وكنت كذات الظّلع لمّا تحاملت ... على ظلعها بعد العثار استقلّت
أريد ثواءً عندها وأظنّها ... إذا ما أطلنا عنده المكث ملّت
وكان كثير على حدة خارطه وجودة شعره أحمق الناس. ودخل عليه نفر من قريش يعودونه وهو عليل ويهزأون به؛ قال بعضهم فقلت له: كيف نجدك؟ قال: بخير. ثم قال: هل سمعتم الناس يقولون شيئًا؟ قلت: نعم سمعتهم يقولون: إنك الدجال. قال: أما لئن قالوا ذلك إني لأجد في عيني اليمنى ضعفًا مذ أيام.
من نوادر الحمقى والممرورين
قال الجاحظ: حدثني ثمامة بن أشرس قال: كان ممرور يأتي ساقية لنا سحرًا فلا يزال يمشي مع دابتها ذاهبًا وراجعًا في شدة الحر والبرد، فإذا أمسى توضأ وصلى وقال: اللهم اجعل لنا من هذا الهم فرجًا ومخرجًا، ثم انصرف إلى بيته؛ فكان كذلك إلى أن مات.
قال وحدثني ثمامة قال: مررت في غب مطر، والأرض ندية، والسماء مغيمة، والريح شمالية، وإذا شيخ أصفر كأنه جرادة، وقد جلس على قارعة الطريق وحجام زنجي يحجمه، وقد وضع على كاهله وأخدعيه محجمة كأنها قعب وقد مص دمه حتى كاد يستفرغه. قال: فوقفت عليه وقلت: يا شيخ، لم تحتجم في مثل هذا اليوم؟ فقال: لمكان الصفار الذي فيّ.
من علامات الحمق
قال الجاحظ: ما رأيت رجلًا عظيم اللحية إلا وجدته كوسج العقل.
وقالت أعرابية لقاض قضى عليها: عظم رأسك، فبعد فهمك؛ وانسدلت لحيتك، فانشمر عقلك، وما رأيت ميتًا يقضي بين حيين قبلك.
وعاب كوسج ألحى، فقرأ: " البلد الطيب بخرج نباته بإذن ربه والذي خَبثُ لا يخرج إلا نكدًا " فقرأ الكوسج: " قل لا يستَوِي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث ".
قال هشام بن عبد الملك يومًا في مجلسه: يعرف حمق الرجل بخصال أربع: بطول لحيته وشناعة كنيته، ونقش خاتمه، وإفراط شهوته. ثم رمى بصره إلى رجل طويل اللحية في أقصى المجلس فدعا به. فقال: هذه واحدة، ثم سأله عن كنيته فقال: كنيتي أبو الياقوت الأحمر. فقال: وما نقش خاتمك؟ قال: " وتفقّد الطير "، فقال: " ماليَ لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين ".
وخرج مهزم بن الفرج القبعسي فقال: أيها الأمير، إني قد قلت بيتًا، وأنشد:
كفى حزنًا أن الفراء كثيرة ... وأني بمرو الشاهجان بلا فرو
فقال طاهر: هذه والله قافية شرود، أجيزوا؛ فأرتج عليهم. فقال مهزم: أنا أولى بإجابة نفسي. وقال:
صدقت لعمري إنها لكثيرة ... ولكنها عند الكرام أولي الثرو
فضحك طاهر، وقال: أما لئن أغفلناك حتى حملناك على سوء القول لنفسك سنستدرك، وأمر له بعشر أثواب من وبر الخز والوشي؛ فباع منها تسعًا بتسعين ألف درهم وأمسك واحدة.
من الأجوبة المضحكة
قال الجاحظ: كان جعيفران الموسوس يماشي رجلًا من إخوانه على قارعة الطريق، فدفع الرجل جعيفران على كلب فقال: ما هذا؟ قال: أردت أن أقرنك به. قال: فمع من أنا منذ الغداة؟ شرب طوقان المغني عند الشريف الرضي فسرق رداؤه، فلما أصبح افتقده؛ فقال: قد سرق ردائي. فقال له الشريف: سبحان الله! من تتهم منا؟ أما علمت أن النبيذ بساط يطوى عليه. فقال: انشروا بساطكم حتى آخذ ردائي واطووه إلى يوم القيامة.
ودخل رجل أكول على قوم، فأكل أكلًا ذريعًا. فقال أحدهم: عجبت من أكله وسرطه. وقال الآخر: وشقه دجاجة ببطة، وقال آخر: وأكله دجاجة وبطة. وقال آخر: كأن جالينوس تحت إبطه.
فقالوا له: أما الذي قلناه فمفهوم، فما معنى قولك: كأن جالينوس تحت إبطه؟ قال: لكي يناوله الجوارشن لئلا يتخم.
1 / 70