وقال رجل اسمه عمر لعلي بن سليمان الأخفش: علمني مسألةً من النحو؟ قال: تعلم أن اسمك لا ينصرف. فأتاه يومًا وهو على شغل. فقال: من بالباب. قال: عمر. قال: عمر اليوم ينصرف. قال: أوليس قد زعمت أنه لا ينصرف؟ قال: ذاك إذا كان معرفة وهو الآن نكرة! وقال الصولي: سكر هارون النديم عند المعتضد سكرًا شديدًا، ونهض الجلساء كلهم سواه فقال له الخادم الموكل بالندماء: انصرف. فقال: أمير المؤمنين أمرني بالمبيت هاهنا. فقال: يا أمير المؤمنين؛ هارون ينصرف. قال: لا ينصرف.
فلما أصبح رآه المعتضد، فقال: من هذا؟ قيل: هارون بن علي. فقال للخادم الموكل بالندماء: متى تقدم للجلساء المبيت هنا؟ فقال: أنت أعزك الله قلت: هارون لا ينصرف، قال: إنا لله! إنما أردت النحو.
قال أبو العبر: قال لي أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب: الظبي معرفة أو نكرة؟ فقلت: إن كان مشويًا على المائدة فمعرفة، وإن كان في الصحراء فهو نكرة. فقال: ما في الدنيا أعرف منك بالنحو.
أبو الحسن علي بن سليمان كتب إلى بعض إخوانه يستعير دابة ودابة لا تجيء بوزن الشعر؛ لأنه جمع بين ساكنين:
أردت الركوب إلى حاجةٍ ... فجد لي بفاعلةٍ من دببت
فأجابه الفتى وكان ظريفًا:
زيد بها وجعٌ غامز ... فكن أنت لي فاعلًا من عذرت
ومن ملح النحويين:
أفي الحقّ أن يعطى ثلاثون شاعرًا ... ويحرم ما دون الرضا شاعر مثلي!!
كما سامحوا عمرًا بواوٍ مزيدةٍ ... وضويق باسم الله في ألف الوصل
وقال أبو الفتح البستي:
حذفت وغيري مثبتٌ في مكانه ... كأنّي نون الجمع حين تضاف
المتوكل وعبادة المخنث
وكن المتوكل قد بسط من عبادة المخنث للدخول معه على كل حال، فدخل عليه وهو نائم مع سواد كان يحبها؛ فلما رآه أمرها أن تغطي وجهها. فقال: يا أمير المؤمنين؛ ومن معك؟ قال: ويلك! وبلغ فضولك إلى هذا الموضع!، ومدت الجارية رجلها فبانت سوداء. فقال: يا أمير المؤمنين؛ تنام ورجلك في الخف. فقال المتوكل: قم عليك لعنة الله! وضحك وأمر له بصلة فأخذها وانصرف.
وكان عبادة يشرب بين يديه ويترك في القدح فضلة. فقال: يا عبادة؛ ما تدري ما يقول الناس؟ قال: وما هو؟ قال: يقولنه إن شارب النبيذ إذا شرب وعبس وجهه وفضلت في القدح فضلة فإن إبليس يضرب قفاه ويقول: اشرب فضلة ما استطبت.
فمضت الأيام واصطبح المتوكل وعبادة حاضر، وشرب قدحًا كان في يديه وفضلت فضلة. فقال: يا أمير المؤمنين، جاءك الرجل.
وتجارى الجواري بحضرة المتوكل فسبقتهن جارية ممشوقة. فقال المتوكل لعبادة: اجر معها حتى ننظر من يسبق صاحبه. فقال عبادة: إن سبقتها فما لي؟ قال: هي لك، وإن سبقتك صفعتك. فجرت معه الجارية فسبقته مرة بعد أخرى، فقال: يا أمير المؤمنين؛ كيف لا تسبقني وهي تجري بمدادين وأنا أركض بخرجين؛ فضحك المتوكل ووهبها له.
وغفل عنه المتوكل مرة فكتب له رقعة يسأذنه في الحج فضحك. وقال: عبادة يحج؟ علي به، فلما دخل عليه قال له: ما خبرك؟ فقال: يا أمير المؤمنين؛ لقد تواضعت حتى ما آكل إلا الخشكار، ولا أشرب إلا نبيذ الدردي، ولا أسمع إلا غناء حواء، فأمر له بصلة.
جحظة يصف ضيق العيش
ألم جحظة البرمكي بهذا المعنى فقال:
إنّي رضيت من الرحيق ... بشراب تمرٍ كالعقيق
ورضيت من أكل السمي ... ذ بأكل مسودّ الدقيق
ورضيت من سعة الصحو ... ن بمنزلٍ ضنكٍ وضيق
وجعلت تغريد الحما ... مة منزلي عند الشروق
فغدوت كسرى صاحب ال ... إيوان والعيش الأنيق
وحجبت نفسي عن حجا ... ب الباخلين ذوي الطريق
القاطعين مخافة ال ... إنفاق أسباب الصّديق
جيران يتشممون الأماني
قال ابن أبي عتيق لامرأته: تمنيت أن يهدى إلينا مسلوخ، فنتخذ من الطعام لون كذا ولون كذا، فسمعته جارة له، فظنت أنه أمر بعمل ما سمعته، فانتظرت إلى وقت الطعام، ثم جاءت فقرعت الباب، وقالت: شممت رائحة قدوركم فجئت لتطعموني منها. فقال ابن أبي عتيق لامرأته: أنت طالق إن أقمنا في هذه الدار التي جيرانها يتشممون الأماني.
التمني والحلم أخوان
1 / 68