نالني بالملام فيها إمامٌ ... ما أرى لي خلافه مستقيما
فاصرفاها إلى سواي فإنّي ... لست إلاّ على الحديث نديما
فكأني وما أزيّن منها ... قعديٌّ يزيّن التّحكيما
كلّ عن حمله السّلاح إلى الحر ... ب فأوصى المطيق ألاّ يقيما
والقعد: فرقة من الخوارج يأمرون الناس بالخروج وهم لا يخرجون. وزعم المبرد أنه لم يسبق إلى هذا المعنى. وقال في ذلك أيضًا:
غنّنا بالطّلول كيف بلينا ... واسقنا نعطك الثناء الثمينا
من سلافٍ كأنها كلّ شيءٍ ... يتمنّى مخيّر أن تكونا
أكل الدهر ما تجسّم منها ... وتبقّى لبابها المكنونا
فإذا ما اجتليتها فهباءٌ ... يمنع الكفّ ما تبيح العيونا
ثم شجّت فاستضحكت عن لآلٍ ... لو تجمّعن في يدٍ لاقتنينا
في كئوسٍ كأنهنّ نجومٌ ... دائراتٌ بروجها أيدينا
طالعاتٌ مع السقاة علينا ... فإذا ما غربن يغربن فينا
لو ترى الشّرب حولها من بعيد ... قلت قومٌ من قرّةٍ يصطلونا
وغزال يديرها ببنانٍ ... ناعماتٍ يزيدها المزج لينا
كلما شئت علّني برضابٍ ... يترك القلب للسرور قرينا
ذاك عيشٌ لو دام لي غير أني ... عفته مكرهًا وخفت الأمينا
وقال أيضًا:
أعاذل أعتبت الإمام وأعتبا ... وأعربت عمّا في الضمير وأعربا
وقلت لساقيها أجزها فلم يكن ... ليأبى أمير المؤمنين وأشربا
فجوّزها عني سلافًا ترى لها ... إلى الأفق الأعلى شعاعًا مطنّبا
إذا عبّ منها شارب القوم خلته ... يقبّل في داجٍ من الليل كوكبا
ترى حيثما كانت من البيت مشرقًا ... وما لم تكن فيه من البيت مغربا
يدور بها رطب البنان ترى له ... على مستدار الخدّ صدغًا معقربا
سقاهم ومنّاني بعينيه منيةً ... فكانت إلى قلبي ألذّ وأطيبا
بين أبي نواس والحسين بن الضحاك
قال الحسين بن الضحاك: أنشدت أبا نواس قولي:
وشاطريّ اللسان مختلف السّ ... سكرة شاب المجون بالنسك
فلما بلغت فيه:
كأنّما نصب كأسه قمرٌ ... يكرع في بعض أنجم الفلك
نعر نعرة منكرة. فقلت: ما لك فقد رعتني! فقال: هذا المعنى أنا أحق به، ولكن سترى لمن يروى ثم أنشدني بعد أيام:
إذا عبّ منها شارب القوم خلته ... يقبّل في داجٍ من الليل كوكبا
فقلت: هذه مطالبة يا أبا علي. فقال: أتظن أنه يروى لك معنى مليح وأنا في الحياة! وقال فيه ابن الرومي فجاء بأحسن منهما:
ومهفهف كملت ملاحته ... حتى تجاوز منية النفس
تصبو الكئوس إلى مراشفه ... وتضجّ في يده من الحبس
أبصرته والكأس بين فمٍ ... منه وبين أناملٍ خمس
وكأنها وكأنّ شاربها ... قمرٌ يقبّل عارض الشمس
من غزل بشار
وإنما اتبع أبو نواس في هذه الأشعار التي وصف فيها ترك الشرب وطاعته لأمر الأمين مذهب أبي معاذ بشار بن برد وذلك أنه لما قال:
لا يؤيسنّك من مخبّأةٍ ... قولٌ تغلّظه وإن جرحا
عسر النساء إلى مياسرةٍ ... والصعب يركب بعدما جمحا
فبلغ ذلك المهدي فغاظه، وقال: يحرض الناس على الفجور، ويسهل لهم السبيل إليه. فقال له خالد بن يزيد بن منصور الحميري: يا أمير المؤمنين، ق افتتن النساء بشعره، وأي امرأة لا تصبو إلى مثل قوله:
عجبت فطمة من نعتي لها ... هل يجيد النعت مكفوف البصر
بنت عشرٍ وثلاثٍ قسّمت ... بين غصن وكثيب وقمر
درّة بحريّة مكنونةٌ ... مازها التّاجر من بين الدّرر
أذرت الدّمع وقالت ويلتي ... من ولوع الكفّ ركّاب الخطر
1 / 64