जमाल दीन अफगानी
جمال الدين الأفغاني: المئوية الأولى ١٨٩٧–١٩٩٧
शैलियों
23
ثم ينتقل الأفغاني من الفضائل الاجتماعية والاقتصادية إلى الفضائل السياسية: النخبوية، والسلطة، والعدل، والديمقراطية، والأمة. فالنخبوية فضيلة. والحق مع الأقلية وليس مع الأكثرية دائما أو على الأقل أحيانا، والدليل خروج الحق عما ألفته الأكثرية، وقدرة الأقلية على تغييره. واعتناق الأكثرية المألوف أحيانا لا يفيد؛ إذ يتحول إلى تقليد بلا برهان. وقد انتشرت الحقائق بأفراد قلائل، وقاومها المجموع، لم يتجرأ أحد على مقاومة جوبتر وانتهت ديانته. وموسى كفر بألوهية فرعون. وعيسى كان معه نفر قليل من الحواريين ضد مجموع اليهود. ومحمد آمن معه نفر قليل وقاومه الجموع، والملايين اليوم تدين باليهودية وبالمسيحية وبالإسلام. والسبب في ذلك أن تعاليمهم جاءت موافقة لروح البشرية. هي حق في ذاتها حتى ولو خالفت المألوف. وقد اعتنق المخالفون لهذه الديانات الثلاث هذه الديانات بعد ذلك بفضل الصمود للمؤمنين الأوائل. وكانت الدعوة للحرية في فرنسا من الأقلية، وسالت من أجلها الدماء. وكذلك كانت دعوى الاشتراكية وإن قل أنصارها فإنها ستسود العالم يوم يعم فيه العلم الصحيح وتسود البشرية روح الإخاء والمساواة. إنما يحتاج الأمر إلى الشجاعة والبسالة والجهر بالحق كما قال المسيح
بيتي بيت الصلاة يدعى، وأنتم جعلتموه مغارة للصوص . وكسر محمد الأصنام، وأبى قبول الملك من قريش. وأصر موسى أمام فرعون على إخراج اليهود من مصر. الأقلية تعلن، والأكثرية تستجيب. والساكت عن الحق شيطان أخرس. ولا يوجد في هذا الكون من القول أو الفعل ما يستدعي الكتمان إلا ما كان في علانيته مضرا. الإعلان كمال للبشر، والكتمان نقص، ولا خير في دولة تعتم عن أمتها أمورها.
من أحب فليعلن . والمحبة معنى مطلق، أي حب الخير والمعرفة للناس. حب الصدق الجهر به، وحب الكذب كتمانه، وحب الخير إعلان عنه والقبيح فقط هو الذي يتم التستر عليه. لذلك عرفت المروءة بأنها عدم العمل في السر ما يستحى منه في العلانية. ولما كانت الحاجة من حيث هي حاجة ذلا، والذل من حيث هو ذل قبيحا فإن أقل الناس حوائج أكثرهم جهرا، وأكثرهم حوائج أكثرهم كتمانا. وقد كانت أقصى مطالب ديوجينس وهو في برميله ألا يحول أحد بينه وبين الشمس كما طلب من الإسكندر. فالطبيعة ملك الجميع، والشمس تعلن عن أشعتها جهرا للجميع.
24
ثم يتناول الأفغاني قضية السلطة، فيميز بين السلطتين الزمنية والروحية، أي السياسية والدينية ثم يوحد بينهما؛ إذ لا يستغني البشر عن سلطتين زمنية وروحية، غايتهما واحدة، وجوهرهما واحد، وأصلهما واحد. وإذا طرأ على أحدهما الخلل يعمل الآخر على إصلاحه. السلطة الزمنية، ملكا أو سلطانا، تستمد قوتها من الأمة لقمع الشر وصيانة الحقوق العامة والخاصة، وتوفير الراحة للجميع، والسهر على الأمن، وإقامة العدل، ورعاية المنافع العامة. فإذا ما جهلت السلطة وعتت وفسدت فإنها تتحول إلى تسلط، وتصبح مشيئة الملوك قانون المملكة. ومن هنا لزمت مقاومة الشعب لاسترداد إرادته وحريته بعد أن أكره عليها وإلا ظل الشعب كالأنعام السائمة. والسلطة الروحية تعني كل ما للدين من نفوذ معنوي. وهي قوة أحيانا أقوى من السلاطين والشرطة. هي القضاء العادل. تقف بالمرصاد للسلطة الزمنية، تراقبها وترشدها، وتقتص منها في حالة انتهاك المحرمات وسفك الدماء. فإذا انحرفت تمت مقاومتها لإرجاعها إلى الصواب.
25
إذا سار الدين نحو غايته الشريفة حمدته السلطة الزمنية، وإذا سارت السلطة الزمنية نحو الغاية المقصودة وهي تحقيق العدل المطلق حمدتها السلطة الروحية. فلا تنافر بين السلطتين إلا إذا خرجت كل منهما عن أصلها وقصدها ومسارها. الدين رادع عن رضى في السر، والسلطان وازع في الجهر بالقهر، هذا هو الفرق بين الرقابتين، رقابة كل منهما على الآخر، الدين سرا، والسلطان علنا، الدين من الداخل، والسلطان من الخارج. الدين صوت الضمير، والسلطان صوت المصلحة العامة والأمن الجماعي. ولا فرق بين الأديان الثلاثة فيما ينفع المجموع البشري، الخير المطلق ورفع الشر، دون أن يعلن الأفغاني أنه لا فرق أيضا بين سلطة وسلطة. فالوظيفة واحدة، حماية الأمن وتحقيق المصلحة العامة. ثم يضرب المثل بضرورة السلطتين وتلازمهما بالجسم والروح. فكما لا يوجد جسم بلا روح، لا يوجد مجتمع بلا سلطة. ولكن القضية في الروح. فالروح الإنسانية إما النبوة وإما الحكمة. النبوة منحة إلهية يختص بها الله من يشاء من العباد، والثانية اكتساب بشري بالنظر والفكر. الأولى لا تخطئ والثانية معرضة للخطأ، الأولى ملزمة الطاعة، والثانية ملزمة أيضا عن طريق الأولى والأفضل بشرط عدم مخالفة الشرع. هذا هو جسم السعادة الإنسانية. وهي نفس ثنائية النبوة والحكمة عند القدماء. يحاول الأفغاني هنا أن يشق طريقا بين السلفيين الذين يوحدون بين السلطتين الدينية والسياسية، والعلمانيين الذين يفرقون بينهما. كل منهما رقيب على الآخر. إنما تختلف شكل الرقابة، داخلية في الدين من وازع الضمير، وخارجية في السياسة. وهي تفرقة أيضا غير دقيقة؛ فالدين رقيب من الخارج عن طريق الحسبة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقضاء، والسياسة رقيب من الداخل عن طريق مبادئ العدل والشورى كأساسين للملك. كما أن هذا الطريق الثالث لا ينتهي بالضرورة إلى السلام بين السلطتين، فما العمل إذا لم تطع إحدى السلطتين نصيحة السلطة الأخرى؟ ولمن تكون الغلبة في حالة الصراع؟ ولمن يكون الحكم بينهما في حالة الخلاف؟ ويبدو أن الأفغاني لا يتصور السلطة الدينية سلطة رجال الدين بل مجرد وازع أخلاقي داخلي. فلا توجد إلا سلطة واحدة فعلية هي السلطة السياسية؛ فالإيمان واليقين ليس معناهما عبادة رؤساء الدين. لذلك كثيرا ما ينقد الأفغاني رجال الدين ويعتبرهم مسئولين عن انهيار الدولة وفساد السلطة السياسية. فإذا ما أمكن تحرير السلطة السياسية من سيطرة السلطة الدينية يلزم أيضا تحرير السلطة السياسية من رجال الدولة وبطانة الملك. وكما أمكن تحرير الدين من رجال الدين كذلك يمكن تحرير السياسة من رجال السياسة، من دسائس البلاط وجماعات القهر السياسي داخل الدولة، من الوزراء أو المستشارين أو الشرطة والجيش أو الأجانب. ويبدأ الأفغاني بوضع قانون عقلي تجريبي عام، مثل
كيف يجب أن تكونوا ، وآية قرآنية تصديقا لهذا القانون تأويلا
يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون . وأحيانا يضع الآية القرآنية أولا ثم يثني بالقانون التاريخي تنزيلا. ثم يشرح الأفغاني القانون والآية بأن البلاد تصان بحرس الملك والبروج والقلاع والجيوش والأسلحة. ولكنها لا تعمل بذاتها إلا من خلال البشر والرجال من ذوي التدبير والحزم والدراية، يقومون بشئون المملكة، ويوطدون الأمن، ويقيمون العدل، ويطبقون الشريعة، ويراقبون الممالك الأجنبية، ومن ثم يكون السؤال: كيف للحاكم أن يحصل على بطانة للمملكة من ذوي الرأي السديد، كيف له بعقلاء رحماء، أباة أصفياء، لهم الشفقة والرحمة والحمية والنعرة على الملك والرعية من الأمة، على الفطرة، يرتبطون معا برابطة الجنس أو الدين، فلا ينتقد مصري سوريا أو سوري مصريا لانتمائهما معا بعروبة واحدة؟ أما الأجانب الذين لا يرتبطون بهاتين الرابطتين الجنس أو الدين، فهم كالأجراء في المملكة، لا يهمهم إلا استيفاء الأجر، ولا يبالون بعد ذلك إذا انهدم الملك أو قام. هذا إذا صدقوا في الأعمال، يؤدون للدولة قدر ما يأخذون منها. لا يتشرف الأجنبي بشرف الأمة، ولا يمسه شيء مما يمسها لأنه منفصل عنها. يعود إلى منبته إذا ما أصابها السوء، ويخدم غيرها. لا يحزن على خير فقدته، ولا يفرح لشر تجنبته، على فرض عدم وجود دوافع أخرى لديهم مثل الحقد والخديعة والتآمر. هذا حال الأجانب في الممالك الإسلامية، يعتمدون على الغش والخيانة. ويثبت التاريخ أن الدولة التي تعتمد على الأجنبي لا تبقى. ودخول العنصر الأجنبي في الدولة إيذان بخرابها. ويأسف الأفغاني على أمراء الشرق خاصة أمراء المسلمين الذين سلموا أمورهم إلى الأجانب يحمونهم، ويوالون الغرباء ويثقون بهم، مستشهدا بآيتين
अज्ञात पृष्ठ