जमाल दीन अफगानी
جمال الدين الأفغاني: المئوية الأولى ١٨٩٧–١٩٩٧
शैलियों
واسترداد الحق لرفع الظلم. ولا يكفي في ذلك الكلام. واعتماد المظلوم على وعود الظالم بالكلام أقتل له من المدفع والحسام، وإذا لم تتذرع الأمة بشكواها من ظالميها بغير الكلام فاحكم عليها بأنها أضل من الأنعام. والظلم حق باق حتى ولو لم يسترد. المظلوم حي ولو مات، والظالم ميت ولو عاش. المهم ألا يقع المنتصر للمظلوم في شرك الظالم. وسجن الظالمين للمصلح رياضة، ونفيهم له سياحة، وقتلهم له شهادة وهي أسمى المراتب. ولا خير في حق لا تدعمه القوة. وإن أضعف ما في هذا العصر حق لضعيف لا قوة له. وأقوى شيء باطل لقوي يجعل باطله حقا. القوة صنم مرهوب، والضعف شبح مربوب. ولا يؤمن بربوبية القوة إلا شبح الضعف. القوة قانون طبيعي، هو أساس تنازع البقاء. إذ تخضع الكائنات إلى ناموس عظيم هو القوة. وظهرت آثاره في الحيوان والنبات والجماد والأفلاك. فلكل حركة اضطرارية تأتيها طوعا أو كرها. القوة طريق استجلاب المنافع ودفع المضار. وتسمى أيضا الجاذبية لحفظ نظام الكون. بالقوة يحيا النبات، ويجذب الغذاء، ويدافع عن نفسه بأعضاء لافتراس الحشرات. وتظهر القوة في عالم الحيوان. القوة مظهر الحياة والبقاء، والضعف يؤدي إلى الفناء. بالقوة تظهر المواليد، وبالضعف يبدأ الموت. القوة للذات تتطلب إضعاف الغير وتسخيره؛ لذلك لا تنال الأمم المهضومة حقها إلا بالقوة. فقد امتلكها الاستعمار بالقوة، استعمر الإنجليز الهند لضعفها. وامتلك الإسبان المغرب بالقوة. والتحرر لا يكون إلا بالقوة. وما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.
وكان حقا علينا نصر المؤمنين . وقلما يأتي الحق بدون عناء، والقبة الجوفاء لا ترجع إلا الصدى. والمصلح الزعيم من لا يفر ولا يتضعضع من أذية اللئام. والأسد لا يعدم فريسة أينما ذهب. ويبدو أن الأفغاني هنا أقرب إلى دارون وتنازع البقاء ونيتشه وإرادة القوة، وإن رد على الدهريين لأسباب دينية خالصة تتعلق بالخلق.
9 (2) فلسفة التربية
والتربية هي وسيلة الانتقال من الأخلاق الفردية إلى الأخلاق الاجتماعية. وترتبط فلسفة التربية بفلسفة الطبيعة وتدرجها من النبات إلى الحيوان إلى الإنسان. وهنا يبدو الأفغاني أقرب إلى نظرية التطور منه إلى نقدها. فإذا توجه العقل إلى الأجسام الحية علم أن قوام حياتها بتفاعل عناصرها الداخلية دون غلبة أحدهما على الآخر من أجل حدوث الوسط المتناسب أو التعادل بينها كما هو الحال عند القدماء. ووضعت علوم النبات والحيوان والطب لذلك لإعادة التوازن بين البسائط التي يتركب منها الجسم للوصول إلى حالة الاعتدال حتى تحقق حكمة الله في بقاء الأنواع. وقد ارتبطت علوم الحياة بعضها ببعض، ولزم الطبيب معرفة علم النبات وعلم الحيوان. والروح الإنسانية تعمل بالتضاد من أجل خلق هذا المزاج المعتدل، وروح الكمال الإنساني. وباجتماع أخلاق متضادة تقوم الأخلاق بالتعادل بينها. فالشجاعة وسط بين التهور والجبن، والكرم وسط بين التبذير والبخل كما قال القدماء. ويقع الفساد بتغلب أحد الضدين على الآخر. لذلك وضعت علوم التربية والتهذيب لهذا الغرض، المحافظة على فضائل النفس ضد الانحراف والتطرف مثل الطب، وعلاج الأرواح في مقابل علاج الأبدان. وكما يعلم الطبيب منافع الأعضاء يعلم عالم الأرواح منافع الأخلاق ومضارها. وكما أن الطبيب يتصف بأخلاق الشفقة والرحمة كذلك المربون فضلاء لضرورة تطابق الفكر والعمل. وكما لا يتخذ الطبيب الطب للوصول إلى أغراض شخصية كذلك المربي الناصح المرشد يقوم بتوجيه الأفراد نحو خدمة الأوطان والأقوام. هنا يبدو الأفغاني مثل القدماء في التماثل بين طب الأجسام وطب الأرواح مثل الرازي والفارابي وابن سينا وإخوان الصفا. ويقوم هذا الطب على العلة الغائية. فليس في الإنسان عضو يتحرك لغير قصد وغاية. كل حركة يعملها الإنسان لا يعلم غايتها يحكم عليه بالجهل. القصد هو أساس النظام. فالنظام هو ما انتظم به شمل عالم متفرق يصرفه لوجهة ناقصة، والحجر خير من بشر يقعد لغير علة ويحتاج بشرا مثله.
10
والعلم هو طريق التربية والتحول من فضيلة للفرد إلى فضيلة للجماعة. فالعالم إن كان أعزل فهو بعلمه اجتماعي، والجاهل وإن كان اجتماعيا فهو بجهله أعزل. وهو صادق على مصر وفي هذا الزمان، زمن تحرير الأرقاء وإسارة الأحرار. وتنهض الأمة ضد الوصايا عليها بإثبات كفاءتها وترقيتها بالعلم والأخذ بأسباب حكم ذاتها بذاتها. وهو ليس أمرا سهلا. العلم سلاح التحرر كما أن القوة أداة الاستعمار. وإذا كانت الدول حفاظا على مستعمراتها تحظر إدخال الأسلحة حتى لا تستعمل ضد الاستعمار فإنها تحجر على العالم؛ لأنه ليس أقل خطرا من إدخال السلاح إلى المستعمرات. فحياة الشرقيين بالعلم الصحيح، وموت لحكم الغرب فيهم وفك الحجر عنهم. والعكس صحيح أيضا من أجل يقظة الشرقيين وحصولهم على الاستقلال بدأب متواصل، وهمة لا تفتر، وعزيمة لا تكل.
11
والعلم هو العلم الوطني؛ إذ يمنع الغربيون الشرقيين بطرق خفية ترقيتهم لأنفسهم بطريقة وطنية خاصة بهم، ويعرقلون مساعيهم، ولا يسهلون وسائل تهذيب أخلاق مجموعهم بل يقومون بالعكس. وبالتالي لا يمكنونهم من التوصل إلى الحكم الذاتي بأساليب المكر والمغالطة والاستعانة ببعض أهل البلاد عليهم من الأسقط همة. مدارس الحكومة بها سموم للوطن يمكن إغلاقها والتعويض عنها بالمدارس الأهلية. مدارس الحكومة لا تسلم من ضرر لما فيها من علوم غير نافعة لا يحتاجها المتعلم، وفنون لا فائدة منها تترك التلميذ عليل الجسم والعقل، لا ينظر إلى كتاب، خياليا، وهاما، نفورا من العمل ، جامدا فيما تعلم، بليدا فيما يعمل. وتخشى المدارس الحكومية من المدارس الوطنية وحب الوطن؛ لأنها تحت وصاية الأجانب حتى يظل الطلبة تحت الوصاية. وكلاهما مر. أما المدارس الأهلية الوطنية فهي التي تجمع بين العلم والوطن. فهي دور علم وعمل، ليس فقط داخل القاعات بل أيضا خارجها لمزاولة العمل. كل علم بالعقل يتبعه عمل بالأعضاء. فيعمل الطالب بالحدادة والنجارة والبناء مع الرفاق، ويربي الحيوان، يحلب الأبقار، ويصنع الجبن، ويستخلص السمن والزبد مما ينفعه جسديا، ويفيده ماديا بعد التخرج. هو رجل علم وعمل، لا رجل غطرسة وعجرفة وكسل، كل على أهله، كثر لا ينتفع بهم أحد. ومن فاته سن التعلم من الرجال والكهول بالدروس يمكن للنوادي الوطنية والمحاضرات العامة أن تقوم بنفس الدور، وكذلك باختلاط أبناء الطوائف ومعرفة طرق النهوض بالوطن بالخطب والمثال الحسن والتذكير والتحذير أي بالنشاط الثقافي الوطني العام. والدين عبادات ومعاملات، العبادات للرب بمعزل عن الناس، لا يعارض غيره ولا يعارضه غيره، لكل وجهة هو موليها، نصارى ومسلمين ويهود، من نفس واحدة. أما المعاملات فهي للعموم، المساواة في الوطن، والتعاون والتفاضل فيه، والعمل في المدرسة سويا والتخرج إخوانا مع الولاء للوطن والإخلاص له دون حل لرباط الوطن أو نسيان عهد الصبا. هم في جسم الوطن كأعضاء الجسد الواحد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر الأعضاء كما هو الحال في الحديث المشهور. سماء واحدة، وأرض واحدة، ووطن واحد، ولغة واحدة، ومقاصد واحدة. وواضح أن تصور الأفغاني للعمل هو الزراعة وليس الصناعة التي لم تكن قد ازدهرت في عصره. كما أن الزمن قد تغير من الدفاع عن التعليم الأهلي الوطني إلى تحول التعليم الأهلي إلى خاص أجنبي في عصر الخصخصة. ولا ينسى الأفغاني من التنويه بضرورة تربية المرأة من أجل حسن تربية الأطفال والصبيان؛ فالأمم تتعهد الطفل رضيعا للكمال، الصحة والعقل، وترضعه حب الوطن مع التدرج في العلوم، وإفساح المجال للنور الفطري إبعادا له عن الكذب وتحبيب العلم إليه وتمرينه عليه.
12
ويعطي الأفغاني عناية خاصة لموضوع المرأة؛ فالمرأة شريكة حياة الرجل . فإذا اتخذت المرأة لفضلها شريكة حياة نعمت الشركة وطابت الحياة. وإذا ما اتخذت لمحض الشهوات كانت شركا للممات. المرأة عون الرجل، من صنع الأم، فكيف تترك هذه المنزلة؟ وإذا كانت حاجة الكون للرجل مرة فحاجته إلى المرأة كرة. ومع ذلك عاش الأفغاني أعزب. وكلما اشتكى له أحد كثرة العيال وقلة المال قال:
अज्ञात पृष्ठ