============================================================
صداق الآخرة، ودم المحب صداق قرب المولى.
ويحك ما دمت تخدم الدنيا فهي تضرك ولا تنفعك؛ فإذا صارت هي تخدمك تنفعك ولا تضرك. اطردها عن قلبك وقد رأيت خيرها وخدمتها وذلها. تظهر إلى قلبك المؤمن في أحسن صورة عليها من كل زينة، فيقول: من أنت، فتقول: أنا الدنيا، فيعرض عنها، فيتبين له في الحال عيوبها، وتنقلب تلك الصورة الحسنة صورة قبيحة ويلك تدعي الزهد في الدنيا وأنت تحب الدراهم والدنانير، وتعدو خلفهما، وتذل للملوك والأغنياء من أجلهما، كذبت في زهدك. عن بعض الصالحين رحمة الله( عليه أنه قال: رأيت في النوم امرأة مستحسنة، فقلت لها: من تكوني؟ (195/ب] فقالت: أنا الدنيا. فقلت لها: أعوذ بالله عز وجل منك ومن شرك. قالت: أبغض الدراهم والدنانير وقد كفيت شري.
يا كذابين: من شرط كل صادق في إرادة ربه عز وجل أن يبغض ما سواه في الظاهر والباطن: الظاهر الدنيا وشهواتها وأبناؤها وما في آيديهم، وحمد الخلق وثناؤهم وقبوهم وإقبالهم، والباطن الجنة وما فيها من النعيم. من صح له هذا صحت له الإرادة. وقرب قلبه من ربه عز وجل، وصار جليس قربه، وضيفا له.
فحينئذ تجيء الدنيا بطبقها والأخرى بطبقها تجيء هذه بزينتها وهذه بحشمتها.
تصيران خادمتان تخدمانه، فيكون طبقها للنفس لا للقلب. طعام الدنيا والآخرة للمنفس. وطعام القرب للقلب. وهذا الذي أدعو إليه/، هو إرادة الله عز وجل من (1/196) خلقه لا الذي تدعون إليه.
يا منافقين: العاقل من ينظر في العواقب ولا يغتر ببداية الأمور. العاقل من استعرض الدنيا والآخرة اللتين هما جاريتان للقوم، يختبرهما ويسمع كلامهما.
يسمع من الدنيا وصفتها لنفسها، فيشتري منها ما يصلح له، ويزهد في الدنيا لكونها فانية، ويعرض عن الآخرة لكونها محدثة مخلوقة، حاجبة عن ربها عز وجل
पृष्ठ 207