1
هذا من حيث الرواية والحكاية، وهو في غيرهما أيضا لا يرى بأسا باستعمال الكلمات الفارسية، كقوله في كتاب البخلاء: «وكانوا يعلمون أن إحضار الجدي إنما هو شيء من آيين
2
الموائد الرفيعة.» وكذلك فإنه استعمل كلمة «بانوان»، وفسرها بقوله: «والبانوان الذي يقف على الباب ويسل الغلق ويقول بانوا، وتفسير ذلك بالعربية: يا مولاي.»
والجاحظ بعد زاهد في السجع، يؤثر السهولة على الحزونة، والوضوح على الغموض، والبسط على الإيجاز. قال بديع الزمان الهمذاني: «كلام الجاحظ بعيد الإشارات، قريب العبارات، قليل الاستعارات، منقاد لعريان الكلام يستعمله، نفور من معتاصه يهمله، فهل سمعتم له بكلمة غير مسموعة أو لفظة غير مصنوعة؟»
ومن خصائص الجاحظ في أسلوبه الدعابة والفكاهة والتنادر والسخرية والتهكم، وتلك أمور تخف على نفس القارئ وتستهويه، ولها محل رفيع في آداب الأمم الحية، ولكن أدبنا لا يزال ينقصه شيء كثير منها، والجاحظ في هذا الباب فرد لا يضارعه أحد. •••
أدب الجاحظ أدب حي، مستمد من الدرس والتفكير والتجارب، ولا تكاد تجد مؤلفا يعطيك من هذه الثلاثة كما يعطيك الجاحظ؛ فهو يشارك الرواة في سعة حفظه وروايته، ويشارك الفلاسفة في تفكيره الحر واعتماده على المعقول، ويبذ الجميع في ملابسته للناس على اختلاف طبقاتهم وفهمه لروح عصره. ولو قيض لمجموعة مصنفاته البقاء لكان لدينا صورة ناطقة عن عصر الجاحظ في كل مناحيه، وعما وصل إليه العلم والأدب والاجتماع.
يعتمد أدب الجاحظ على عناصر شتى، أقواها بلاغة العرب في الجاهلية والإسلام، والكتاب والسنة، وما نقل إلى العربية من آداب الفرس واليونان والهنود وفلسفتهم، ولكن أظهر ما يكون فيه الرأي الشخصي والتفكير الحر.
لئن كان ابن المقفع إمام الكتاب في عصر الترجمة، فالجاحظ إمامهم في عصر الوضع والتأليف والإبداع وتكوين الأدب الحضري المرتكز على أسس العلم والمدنية والتفكير من غير أن يفقد شيئا من فصاحة البداوة وروعتها.
وهكذا فالجاحظ شرع طريقة التأليف في الأدب، وكل من ألف بعده متأثر بطريقته شعر أم لم يشعر. قال ابن النديم في الفهرست: «ابن خلاد الرامهرمزي حسن التأليف مليح التصنيف، يسلك طريقة الجاحظ»، وقال أيضا: «الآمدي مليح التصنيف جيد التأليف، متعاطي مذهب الجاحظ فيما يعمله من الكتب.»
अज्ञात पृष्ठ