وفتحي طبيب باطني، ولذلك كان يكشف على كثيرين من القاصدين إلى المستشفى.
وكان من بين المرضى الذين يراهم مريض عرف أن اسمه نعمان عميرة، وسأله: ما عملك؟ - أعمل في بنك الاستثمار. - في أي قسم منه؟ - قسم الائتمان. - هذا مكان مهم جدا. - نعطي لغيرنا ولا ننال مما نعطي شيئا. - هذا أمر لا يجوز. - هذا هو الواقع، مع أنني رئيس القسم. - سأزورك في البنك ونحاول أن نصلح هذا الواقع. - أهلا وسهلا بك يا دكتور. - اترك لي أيضا عنوانك ورقم تليفونك. - هذه بطاقتي بها كل ما تريد. - شكرا ... لا تخف على صحتك، ليس بك شيء.
مجرد إرهاق بسيط والدواء الذي كتبته لك سيجعلك مثل الحصان. - ألف شكر يا دكتور. السلام عليكم.
كان قد عين مع فتحي في نفس المستشفى اثنان من خريجي دفعته، هما وائل العصفوري وصالح النجمي، وكلاهما ينتسب إلى أبوين غاية في الثراء.
وقد كان فتحي يضيق غاية الضيق ببخل والده وشحه، حتى إنه حين فاتحته صبيحة قائلة بمشهد من أبيها الشيخ إسماعيل عوض: الآن أريد أن أفرح بك، وأنا اخترت لك عروسا في غاية الجمال. ما رأيك في فريدة بنت عمك متولي؟ - تقصدين أن أتزوج. - ولماذا لا؟ - يا أمي حرام عليك. هل نجد ما نأكله حتى أتزوج.
قال جده: كيف هذا؟! إن أباك من أغنياء مصر المعدودين. - وهذا أدهى وأمر، أقسم لك يا جدي إنني كثيرا ما أترك المائدة وأنا ما أزال جائعا لم أشبع.
وقال الشيخ إسماعيل: أعوذ بالله، أعوذ بالله. المال مالك إذا استعبدته وعشت به، أما إذا عبدته فهو الوبال عليك في الدنيا والآخرة. - هذا الكلام لا نسمعه ولا نحس به إلا حين نراك يا جدي. - أعوذ بالله. ألا تذكرون الله في هذا البيت؟ - لولا صلاة أمي ما عرف بيتنا اسم الله مطلقا. - لا إله إلا الله، وما دمت تقول هذا فلماذا لا تصلي أنت؟ - هل كنت رأيت أبي يصلي حتى أصلي؟ - هذه حجة واهية. أتريد أن تكون مثل أبيك في الشح الشديد الذي يتصف به؟ - أعوذ بالله! طبعا لا. - إذن لماذا تقلده في عدم الصلاة؟ إن الله سبحانه يقول:
وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما . - لا أذكر أن أبي ذكر الله في حياته إلا حين يقسم. وغالبا ما يكون القسم كاذبا. - كره الله هذا والمؤمنون، كره الله هذا والمؤمنون. وما لهذا ولزواجك؟ - وكيف أستطيع أن أطعمها؟ - بمرتبك. - مرتبي لا يكفي ثمن سجائري. - مال أبيك لك بعد عمر طويل لا يشاركك فيه إلا مبروكة بالثلث فقط. - الواضح أن هذا العمر سيكون طويلا غاية الطول، فصحة أبي قوية والحمد لله.
وقال الشيخ إسماعيل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. أتتمنى موت أبيك؟ - لا طبعا. وإنما أذكر الحقيقة. - هذا بيت لا أحب أن أجلس فيه. سلام عليكم!
وقام مغادرا ابنته وحفيده اللذين ودعاه، وعادت صبيحة من وداع أبيها وقالت: أنت إذن ترفض فكرة الزواج. - لن أتزوج إلا بعد أن أصبح غنيا قادرا. - ومتى يكون هذا؟ - لا تتعجلي، فهذا أمر سيحدث، وسأكون في مثل غنى أبي إن لم يكن أكثر. - كيف هذا إن شاء الله؟ - أنا أفكر في مشروع يحقق لي هذا وأكثر. •••
अज्ञात पृष्ठ