universes of desire »، وهو يقول عنها: «كل رغبة تنتمي إلى عالم خاص، وتفقد معناها لو انتقلنا من هذا العالم إلى عالم آخر . وهذا العالم الذي تنتمي إليه الرغبة هو العالم الذي يتكون من مجموع ما نسميه بخلق الإنسان أو شخصيته
Man’s character ، وهذا الخلق يعبر عن نفسه في نفس اللحظة التي نشعر فيها بالرغبة، إنه باختصار: عالم النظرة الأخلاقية للإنسان، في اللحظة التي نبحثها ... وينبغي علينا جميعا أن نكون على وعي بالرغبات المختلفة التي تسيطر على أذهاننا في الأمزجة المختلفة، وفي الظروف المختلفة، وفي حالات الصحة المختلفة ... فهذا العالم يمكن جدا أن يتغير فجأة عند الشخص الواحد بسبب تحول فجائي للظروف التي يعيش فيها. فأي تغير فجائي؛ كنبأ وفاة صديق، أو تذكر موعد، أو الإيحاء بمبدأ أخلاقي ... إلخ، يمكن أن تنقلنا - في الحال - من عالم إلى عالم آخر ... ولهذا فإن هذا التعبير يمكن ببساطة أن يعتبر انتقالا من أحد عوالم الرغبة إلى عالم آخر.»
20
ومن هنا كانت الأفعال التي تساعد البخيل مثلا في زيادة ثروته، يمكن أن تناسب نظام حياته ككل، أكثر من تلك الأفعال التي تساعده في تنمية المعرفة أو الفضيلة. وقد تكون الحال مختلفة مع شخص آخر.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل يمكن أن يكون هناك نظام مثالي من بين هذه الأنظمة المختلفة للحياة، تتحقق عن طريقه الذات المثالية؟ قد يكون واضحا أن هذه الطرق المختلفة للحياة ليست كلها على مستوى واحد، مهما يكن المعيار الخلقي الذي نستخدمه: فإذا كنا نعتقد أن النظام «أ» أعلى من النظام «ب»، وأن «ب» أعلى من «ج»؛ فلا بد أن يكون هناك معيار من الكمال هو الذي نقارن على أساسه بين هذه النظم، ونقيمها به ... ولست أريد أن أدخل في تفصيلات فرعية حول وجهات النظر المختلفة عن المعيار الأخلاقي، لكني سأقول إن المعيار الخلقي الذي آخذ به واعتبره صادقا، هو الآتي: «إن الذات الحق هي التي يمكن أن توصف حقا بأنها ذات عاقلة، إنها ذلك العالم الذي نشغله في أعمق لحظات حياتنا حكمة وروية وبصيرة.»
21
ومعقولية النسق «أو النظام» الذي يسير عليه السلوك لا بد أن تدوم دوام قوانين المنطق ، وإذا ما سار الفاعل وفقا لنسق آخر غير النسق العقلي، فإن هذا النسق الجديد لا بد أن يكون وجها مؤقتا للذات، إذ يمكن أن تستبدل بالنظام العقلي أي نظام آخر في اللحظة التي يغير فيها الفاعل وجهة نظره. وحين نقول إن فعلا من الأفعال، أو إن النسق كله ليس إلا نسقا مؤقتا، فإن ذلك يدل على أن هذا النسق ليس هو الكل المتكامل المثالي الذي ينبغي أن تتفق معه الأفعال الإرادية، وقد لا يكون في وسع المرء أن يسلك باستمرار سلوكا عقليا طوال حياته، ومع ذلك يظل الاتساق العقلي هو المقياس. وكلما اقترب هذا السلوك من هذا المقياس ارتفع من وجهة النظر الأخلاقية؛ لأن الفاعل حين يسلك سلوكا عقليا يعبر عن طبيعته الحقيقية، لأن احترام المرء لطبيعته هو السبب أو المبرر، وإذا كان من المشروع أن نسأل: لماذا ينبغي علينا أن نطيع الله أو الدولة، فإنه لا معنى لسؤالنا عن السبب الذي من أجله يجب أن نحقق طبيعتنا. (16) على الرغم - إذن - من تعدد الأنظمة المختلفة للحياة، فإن هناك نظاما مثاليا يمكن أن يتحقق عن طريق الذات المثالية «وهي الذات العاقلة»، فالأخلاق تعني السلوك تحت سيطرة العقل، والفاعل بهذا السلوك يحقق ذاته الحق. وليس معنى ذلك أن كل فعل إرادي لا بد أن يكون فعلا أخلاقيا؛ لأن الفعل الإرادي ليس إلا تحققا لذات الفاعل فحسب. لكن هناك بالطبع فارقا كبيرا بين الفاعل الذي يحقق ذاته فقط، وبين الفاعل الذي يحقق ذاته المثالية. والمقصود بالذات التالية هنا هو الذات العاملة، فكلما سار المرء في أفعاله وفقا للعقل، سما من الناحية الأخلاقية. لكن المرء يستطيع أن يسلك سلوكا إراديا، حتى ولو كان هذا السلوك منافيا لمطالب العقل «وبالتالي منافيا لمبادئ الأخلاق»، وهو في هذه الحالة إنما يعبر عن نفسه لحظة حدوث الفعل، لكنه لا يعبر عن ذاته العليا. والتغير الذي يحدثه سلوك ذلك الشخص قد يكون تغيرا إلى أسوأ لا إلى أحسن، ولكنه يظل - مع ذلك - فعلا من أفعال الإرادة. (17) والتباين بين الحالة الراهنة، وبين فكرتي عن التغير، قد تختلف في درجتها اختلافا عظيما؛ فقد تتسع الهوة بينهما وقد تضيق، لكنه كلما اتسعت قوى الصراع واشتد، وصعب المجهود الذي نحتفظ به بفكرة التغير في الانتباه حتى يتحقق التغير المطلوب. والصعوبة هنا سيكولوجية لا فيزيقية: «من السهل - فيزيقيا - أن تتحاشى معركة، أو أن تبدأها، على حد سواء، كما أنه من السهل أن تحتفظ بالمال أو تبعثره على ملذاتك الخاصة، ومن السهل أيضا أن تطرق باب امرأة أو أن تبتعد عنها، جميع هذه الأمور يسهل القيام بها على حد سواء، لكن الصعوبة عقلية، فهي تكمن في الاحتفاظ بفكرة السلوك الأكثر حكمة لتظل في ذهننا باستمرار.» ويبدو أن اتساع الهوة بين فكرة التغير - لو جاءت مطابقة للعقل - وبين الموجود الفعلي القائم لو كان هذا الوجود يشبع ميلنا الطبيعي، هذا الاتساع - فيما أعتقد - يزيد السلوك من الناحية الأخلاقية سموا، ولهذا فقد تظهر هنا مشكلة أخلاقية هي: «إذا كان صحيحا أنه كلما قوي الجهد الذي نحتفظ به بفكرة الواجب العقلي في الانتباه ضد ميلنا الطبيعي، ارتفع السلوك من الناحية الأخلاقية: ألا ينتج من ذلك أن الشخص الذي تحول الواجب عنده إلى مجرد عادة - وهو بذلك يلغي مقاومة الرغبة - لا يسلك في هذه الحالة سلوكا أخلاقيا لأن الصراع بين الواجب والهوى قد اختفى أو قلت حدته؟» حين يقال إن فعل الواجب لا بد أن يتضمن بالضرورة مقاومة للرغبة فإننا نصل بذلك إلى هذه المفارقة وهي: «أن تكون عادة خيرة، طالما أنه سيؤدي إلى تقليل من مقاومة الرغبة شيئا فشيئا، سوف يعني أنه كلما ازداد نمو هذه العادة، قل إحساسنا بالواجب، وبالتالي فإن تكوين عادة خيرة يؤدي بالشخص إلى سلوك أقل خيرية، ويجعل هذا الشخص - من ثم - أقل خيرية.»
22
ولهذا - فقد يقال كما قال «روس» - إن الفعل لا يقل في خيريته كلما أصبح سهلا عن طريق العادة؛ لأن «الخيرية لا تقاس بشدة الصراع، وإنما بقوة التكريس للواجب، فكلما كانت الدوافع التي تعارض فعل الخير قوية، كنا على يقين من أن الإحساس بالواجب لا بد أن يكون قويا، لكنه قد يكون قويا أيضا حتى حين تكون الدوافع المعارضة ضيقة أو غير موجودة.»
23
अज्ञात पृष्ठ