وهذه الصورة الثانية هي من الناحية العملية، صورة خاصة بالإنسان وحده، حين يمعن الفكر مثلا في حل مشكلة من المشكلات.»
5
غير أننا يجب علينا أولا أن نفسر تلك الحالات التي نشعر فيها أن الانتباه نفسه مراد، وأنا أعتقد أن ما يضللنا في مثل هذا الشعور، هو أننا بدلا من أن ننتبه إلى «ج» ننتبه إلى موضوع آخر «ء» مثلا حين نشعر أن هذا الموضوع الأخير أكثر نفعا لنا في هذه اللحظة نفسها من الموضوع السابق. عندئذ تشكل الرغبة في العودة إلى الموضوع السابق «ج» جانبا من المركب الموضوعي، أعني أن محتوى انتباهي سيكون عندئذ مركبا يشمل «ء + رغبة في العودة إلى ج». وهذه الحالة قد يعقبها عودة فعلية إلى «ج» فينشأ موقف أتوهم فيه أن رغبتي قد أدت إلى تغيير اتجاه انتباهي، في حين أن رغبتي نفسها ليست إلا جانبا من موضوع الانتباه، ومن هنا فإن كل ما حدث هو تغير لاتجاه الانتباه لخدمة نفعي الخاص أو مصلحتي الخاصة. (8) لا توجد حالة واحدة من حالات الإرادة لا تتوقف عند نهاية تحليلها على الانتباه إلى فكرة لها خصائص معينة: «حين نعقد العزم على أن نتبع لونا معينا من ألوان السلوك، فإننا نكون فكرة واضحة - بقدر الإمكان - عن هذا اللون من السلوك، ثم نضع هذه الفكرة بجهد من الانتباه أمام الذهن ... وقل مثل ذلك في حالة الاسترجاع الإرادي لواقعة ما كنا قد نسيناها، كاسم شخص نفكر فيه مثلا فإن إرادتنا في هذه الحالة تضع فكرة هذا الشخص أمام الوعي، حتى يكون لديه الفرصة لتطوير جوانبها المختلفة، والأوضاع المرتبطة بها؛ الزمان، والمكان، والبلد الذي سبق أن رأينا فيه هذا الشخص ... إلخ، وهذه الأمور كلها - بالطبع - تزيد من فرصة استرجاع اسمه ...»
6
وفي استطاعتنا أن نسوق أمثلة لا حصر لها من المواقف الإرادية، وسوف نجد أنها كلها تعتمد باستمرار على الانتباه إلى شيء ما. والانتباه كما سبق أن ذكرنا له جانبان: جانب إيجابي وجانب سلبي، فهو إيجابي حين يأخذ فكرة التغير المطلوب، وهو سلبي حين يستبعد الأفكار الأخرى، التي تعرقل تحقيق الفعل المراد؛ إذ لا بد أن يكون هناك دائما أكثر من خط واحد ممكن للفعل المراد، على الأقل: الإقدام على هذا الفعل والإحجام عنه، يختار الفاعل من بين البدائل الممكنة بديلا واحدا ويحتفظ بفكرته في الانتباه حتى يتحقق. وسوف نعود إلى هذه النقطة بعد قليل. (9) لكن ذلك كله ليس إلا تعميما يحتاج إلى تخفيض وتحديد؛ فإذا كان الموقف الإرادي عبارة عن فعل من أفعال الانتباه إلى موضوع يتسم بخصائص معينة، فما هي تلك الخصائص التي تطبع بطابعها موضوع الانتباه حين يكون الموقف السيكولوجي إراديا؟ لا بد أن نقول بادئ ذي بدء: إن الفكرة التي تكون موضوع الانتباه في حالة الإرادة هي بصفة عامة فكرة التغير، أعني فكرة شيء يختلف عما هو موجود بالفعل. وإذا ما حللنا هذه الفكرة لوجدنا أنها تتألف من العناصر الآتية: (1) أن يكون هناك وجود له طبيعة معينة. (2) أن تكون هناك فكرة عن تغير يراد إحداثه في هذا الوجود. (3) أن يتم إحداث التغير بالفعل طبقا لمضمون الفكرة. (4) أن يتم التغير بفضل نشاط الفرد المنتبه إلى الفكرة التي تتحدث عنها دون مساعدة العوامل الخارجية. (5) أن تتحقق ذات الفاعل من خلال تعبيره عن طبيعته في الفكرة.
7 (10) (1) الخاصية الأولى للموقف الإرادي هي أن يكون هناك وجود له طبيعة معينة، وجود «أريد» له أن يتغير طبقا لمضمون الفكرة التي أنتبه إليها. وقد يكون هذا الوجود المطلوب تغييره وجودا داخليا أو خارجيا: وهو حين يكون خارجيا فإنه يعني جانبا من الواقع موجودا في زمان معين ومكان محدد، وهو إما أن يكون «هنا» و«الآن» أو امتدادا لهما. وهو حين يكون داخليا فإنه يعني واقعة سيكولوجية معينة موجودة الآن أو امتدادا لها.
وفي كلتا الحالتين لا بد من توافر شرطين؛ الأول: أن تكون فكرتي عن التغير مخالفة لهذا الوجود، بمعنى أنني أريد لهذا الوجود أن يكون خلاف ما هو عليه. والثاني: أن تبدأ عملية التغير الآن . وإذا لم يتحقق هذان الشرطان - أحدهما أو كلاهما - فلن تكون هناك إرادة. أعني أنه لم يظهر الوجود على أنه التغير المطلوب تماما، فلن يكون ثمة إرادة، وكذلك لا تكون هناك إرادة لو كان عندي فكرة التغيير لكني أنوي أن أبدأها في لحظة ما في المستقبل. صحيح أنه في الحالة الأخيرة سوف يكون هناك عزم أو تصميم، لكن العزم والتصميم شيء والإرادة شيء آخر، ولا أستطيع في هذا الصدد أن أوافق على ما يقوله «جيمس» من أن مجرد وضع الفكرة في الانتباه هو كل شيء في الإرادة، وأن الأمر بعد ذلك «مجرد حادثة فسيولوجية، فما أن يوضع الموضوع المنتبه إليه بهذا الشكل حتى تنشأ عنه في الحال نتائج حركية.»
8
ويتفق أفلنج
Aveling
अज्ञात पृष्ठ